تابع السيدة زينب عليها السلام والحجاب
وبعد هذه المرثيات، نجد أن خروج نساء الحسين كان صعباًًُ وهن حواسـر، فهن كنوز العفة والطهـارة والستر، وهن ربائب التطهير والخفارة، وقد تسترن بهيبة أنوار الله جل جلاله على حـد تعبير الفقهاء والعلماء .
هذا حجـاب زينب في الأحوال غير العادية، والآن انظر معي إلى حجابها في الأحوال العادية :
قال الشيخ العلامة فرج العمران(قدس الله سره):{……… من ضمن رواية ساقها…… وحدث يحيا المازني قال:كنت في جوار أمير المؤمنين في المدينة مدة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصـاً ولا سمعت لها صوتـاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله صلى الله عليه وآله تخرج ليلاً، والحسن u عن يمينها، والحسين u عن شمالها وأمير المؤمنين u أمامها، فإذا اقتربت من القبر الشريف، سبقها أمير المؤمنين u فأخمد ضوء القناديل فسأله الحسن u مرة عن ذلك، فقال u : أخشى أن ينظر أحدٌ إلى شخص زينب عليها السلام }(1) .
أقول : إذا كان أمير المؤمنين u يعتبر النظر إلى شخص (أي شبح أو ظل) زينب عليها السلام مهانة وكبيرة، فكيف بوجه المرأة ؟!.
ويحق لنا أن نتساءل، لماذا لا يريد صاحب الغيرة أن ينظر أحدٌ إلى ظل ابنته ؟! طبعاً حتى لا يُميَّز ذلك الشخص المقدس ليعرف أنها امرأة، وتعرف مميزاته، فما ظنك بوجه المـرأة إذاً والنظر إليه ؟! ، فعلى النساء الاقتداء بالزهراء وابنتها عليهما السلام .
ثانياً :- ليس هناك دليل قطعي بأن إحدى بنات الرسالة قد خرجت على تلك الهيئة على نحو الاختيار، بل إنهن أُخرِجن قهراً ، ولقد كـانت المصيبة عظيمة جداً، بحيث كن يستـرن وجوههن بأيديهن، وقد سُلِبَت الأقراط من آذانهن، إلى غير ذلك كما تصرح به الروايات، بل قد تعدى الأمر إلى درجة كبيرة، ولكن قيام يزيد بسبيهن، كان بسوء اختياره، فلو لم يُقدَّر لهن السبي لاندثرت واقعة الطف، ولم يصل ذكرها للناس، ولم يعلموا جرائم يزيد (لع)، وإذا كان إتلاف النفس في رزء سيد الشهداء قليـلاً، فكيف الخروج على تلك الهيئة؟!، وهو أقل بكثير من إتلاف النفس، كما قـال المجتهد الأكبر الشيخ حسن الدمستاني t :-
ثالثاً:- خروج النساء على تلك الهيئة قهراً كان في الليل، فلم يتحدث الرواة عن خروج احدى العقائل النبوية نهاراً في حياة الامام الحسين u سوى العقيلة زينب الكبرى عليها السلام عندما رجع الامـام u بعد استشهاد أبي الحسن علي الأكبر u (1) .
وهذا يدل على الاصرار الشديد على مسألة ستر الوجه وعدم ابدائه حتى في الليل المظلم، ولكي يكون الليل سـاتراً لهن، اضافة لتسترهن بالنور الالهي .
فمعظم المصادر التي بين أيدينا تشير إلى أن بني أمية قتلوا الامام الحسين u ما بين صلاتي الظهر والعصر، وبقية المصادر تشير إلى أن القتل حصل قبل مغيب الشمس بنصف ساعة من أيام العرب، ثم مال الأعداء على سلب الامام الحسين u ، ثم رضوا الجسد الشريف، وبعدها تسابقوا على نهب بنات الرسالة . وهذا يعطي دلالة على طول الوقت حتى المغرب أو ما يقربه، وهو الوقت الذي أُخرجت فيه بنات الوحي . ثم إن أغلب المصادر تذكر أن النساء قد " أُخرجت " ولم " تخرج "، وهذا يشير إلى ان الأعـداء قد سلبوا النساء المقـانع والثياب ثم أجبروهن على الخروج (2) . وترى ذلك في أشعارهم :
ومنها :- أنشد الحسن بن الضحاك :
رابعاً :- توبيخ الحوراء زينب عليها السلام ليزيد اللعين على جرائمـه المخالفة للشرع الحنيف، ومنها تعمده كشف وجوه النساء، أكبر شاهد على عدم جـواز الكشف، وقد تظافرت بذلك النصوص ، فمنها :-
ألف :- من ضمن كلامها عليها السلام من الخطبة الزينبية في مجلس يزيد (لع) بالشام، قالت (……… أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائـرك وإمائك، وسوقـك بنات رسول الله صلى الله عليه وآلهقد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد …… )(3).
نستنتج من هذا المقطع بعضاً من الفوائد :-
الفائدة الأولى :- نلاحـظ أن لفظة "أبديت" تدل على أن إبداء الوجه موبقة كبيرة، حيث أن زينب عليها السلامقد بيـَّنت بعض الموبقات التي ارتكبها يزيد (لع) وعدَّدتها، وذكرت منها قتل الحسين، وسبي النسـاء، وكشف وجوههن، حيث عبـَّرت عن ذلك بقولها " قد أبديت وجوههن " فكانت جريمة كشف وجوه النساء ، كقتل الحسين u في فداحة الوزر .
واسمع ما قاله العلماء :
فمنهم : الشيخ محمد حسين الأصفهاني طيب الله ثراه الطاهر :
وأفظع الكل دخول الطاهرة حاسرة على ابن بنت هند ال… (1)
ومنهم : الشيخ علي الجشي رضوان الله تعالى عليه :-
فترى أن الشيخ الأصفهاني والشيـخ الجشي قد جعلا ادخال زينب عليها السلامحاسـرة على يزيد اللعين، أفظع وأمر وأدهى وأعظم حوادث الطف، بل أفظع من قتل الحسـين u ، وكذلك تـأوه الشيخ الجشي على ذلك الدخول، لكن جلال الله تعالى والنور الالهي حجب الطاهرات وسترهن بستر الله العظيم .
الفائدة الثانية :- لو أن كشف الوجه كان جائزاً، لما أنكرته السيـدة زينب عليها السلام، وذلك بقولهـا (أمن العـدل يا ابن الطلقاء ...) .
الفائدة الثالثة:-أن السيدة زينب عليها السلامألقت تلك الخطبة بحضور حجة الله الإمام زين العابدين u ، وكذلك حضور ابنه باقر علم النبيين u ، ونعلم أن الأحكام الشرعية تستنبط من القرآن الكريم، والسنة المقدسة الشريفة، كما نعلم أن السنة المقدسة عبارة عن قـول المعصوم أو فعله أو تقريره. وعدم اعتراض الإمام u على كـلام عمته تقرير ودليل على أن إبداء الوجه موبقة ومخالفة للشرع، إذ لو كان كشف الوجه جـائزاً لأنكر عليها كلامها. فإمضاؤه u لما قالته عمته، دليل على ما قلناه .
الفائدة الرابعة :- إن كلام العقيلة u ، بحـد ذاته تشريع موافق لحكم الله الواقعي، ويشهد له بذلك عـدة أدلة وقرائن، من ضمنها :-
أولاً:- كلمة الإمـام زين العابدين u بحـق عمته عقيلة الطالبيين عليها السلام (……… أنت عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة) (1)، تكفي في إثبات ملكة العصمة لها سلام الله عليها، وأن كل ما تقول به فهو موافق لحكم الله الواقعي .
ثانياً :- ذكر المقدس الشيـخ فرج العمران القطيفي (قدس الله سره الشريف) :-
(……وأما علمها، فهو البحـر الذي لا ينزف، فإنها سلام الله عليها هي المترباة في مدينة العلم النبوي، المعتكفة بعده ببابها العلوَي، المغتذاة بلبانة من أمها الصديقة الطاهرة سلام الله عليها ،…………، وقد نص لها بهذه الكلمة ابن أخيها علي بن الحسين u : أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة، يريد بذلك أن مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع، أفيض عليها إلهاماً لا يتخرج على أستاذ أو أخذ عن مشيخة، وإن كان الحصول على تلك القوة الربانية بسبب تهذيبات جدها وأبيها وأمها وأخويها، أو لمحض انتمائها عليهاالسلامإليهم واتحـادهم معهم في الطينـة المكهربين لذاتها القدسية،……………،وذكر"قدس سره"_أي الفاضـل الدربندي_ عند كلام السجاد u لها: يا عمة أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة . إن هذا الكلام حجة على أن زينب بنت أمير المؤمنين u كانت محدثة، أي ملهمة، وأن علمها من العلوم اللدنية والآثار الباطنية ،………، وعن الصدوق محمد بن بابويه_طاب ثراه _ كانت زينب u لها نيابة خاصة عن الحسين u ، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين u من مرضه )(1).
ثالثاً :- قال سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الشيخ الميرزا جواد التبريزي "دام ظله العالي" في رده عن سؤال حول ذلك :-
( س 1235:- هل يصح أن نقول بالعصمة لغير الأنبياء والأئمة عليهم السـلام كالسيدة الحوراء زينب عليها السلام وأبي الفضل العبـاس u ، وهل للعصمة مراتب ؟
جواب :- العصمة التي ذكرها الله في آية التطهير مختصة بالنبي وفاطمة والأئمة عليهم السـلام، المعبر عنهم بأربعة عشر معصوماً ، وفي سائر الناس من المنتسبين إلى النبي أو الأئمة صلوات الله عليهم لا تكون هذه العصمة، ولكن يمكن أن تكون بمرتبة نازلة، يمتازون بها عن سائر الأتقياء و الصلحاء، وهذا كما في أبي الفضل العباس والسيدة زينب عليهما السـلام، وغيرهما ممن ورد في حقهم بعض الأخبـار سلام الله عليهم أجمعين، كيف لا يكـون كذلك، فإن السيدة زينب شريكة الحسين عليهما السلام في قيامه بوجه الظالمين، فإن أسرها وخطبها التي إذا نطقت بها كأنها نطقت عن لسان أبيها u معروف مشـهور متواتر، وإن أبا الفضل العباس u فداؤه في سبيل أخيه الحسين u ، وما تحمَّل من المصائب في سبيل الدين وتشييد مذهب التشيـع أمر معروف بين عامة المسلمين، فضلاً عن المؤمنين، والله العالم)(1).
رابعاً :- قال الشيخ محمد حسين الأصفهاني ( قده) :
وقال الشيـخ علي الجشي القطيفي " عطر الله مرقده " في قصيدته التي جارى فيها الشيخ حسن الدمستاني t:-
وبعد هذا هل يحق لمدعٍ، أن يقول بأن هذا الكلام من قول السيدة زينب عليها السلام، وهي ليست مشرعة في الدين ! حتى يمكن العمل بمقتضى الرواية ؟!، وقد عرفت أقوال العلماء في حق السيدة زينب عليها السلامإضافة إلى تقرير الإمام u عمته بالعصمة في جميع أقوالها وأفعالها .
بـاء :- في الرواية التي ذكرها السيد المقرم عليه الرحمة، في بيـان ما حدث لأهل البيت عليهم السلام في الشام قال : (……… ثم أخرج_أي يزيد"لع"_الرأس، وصلب على باب القصر ثلاثة أيام، فلما رأت هند بنت عمرو بن سهيل زوجة يزيد الرأس على باب دارها والنور الإلهي يسطع منه، ودمه الطـري لم يجف، ويشم منه رائحة طيبة، دخلت المجلـس مهتوكة الحجاب وهي تقول : رأس ابن بنت رسول الله على باب دارنا، فقام إليها يزيد وغطاها، وقال لها اعولي عليه يا هند، فإنه صريخة بني هاشم، عجَّـل عليه ابن زياد، ……)(1) .
وفي رواية الشيخ المجلسي أعلى الله مقامه:قال(…… وخرجت هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز امرأة يزيد، وكانت قبل تحت الحسين u ، حتى شقت الستر وهي حاسرة، فوثبت إلى يزيد وهو في مجلس عام، فقالت يا يزيد،أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب على فناء بابي، فوثب إليها يزيد فغطاها . وقال نعم فاعولي عليه يا هند وابكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش ، عجَّل عليه ابن زياد لعنه الله فقتله ، قتله الله ……)(2).
وفي رواية الشيخ عباس القمي t ، قال (………فلما رأى _أي يزيد_زوجته على تلك الحالة_مهتوكة الستر_ وثب إليـها فغطاها ، وقال يا هند فاغمري ……)(3).
أقول : إذا كان هذا حال الفاسق يزيد، شارب الخمور، الفاعل في المحارم، الذي لم يرَ محرماً إلا ارتكبه، يكون غيوراً على أهله من أن تخرج كاشفة أمام الأجانب، فكيف بالمؤمن الموالي ؟! ، هل يرضى هذا المؤمن أن يكون يزيد الخمور أفضل منه في غيرته على أهله ؟! لا أظن مؤمناً يرضى بذلك أبداً .
أما الروايات التي تقول (……فلما دخلنا دمشق، أدخل بالنساء والسبايا بالنهار مكشفات الوجوه، فقال أهل الشام الجناة ………ما رأينا سبـايا أحسن من هؤلاء، فمن أنتم ؟، فقالت سكينة بنت الحسين u : نحن سبايا آل محمد صلى الله عليه وآله…… )(1).
وكذلك (………ثم رحل_أي عمر بن سعد"لع"_بمن تخلف من عيـال الحسين u ، وحمل نساءه صلوات الله عليهن على أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاء، مكشفات الوجوه بين الأعـداء ، وهن ودائع الأنبياء وساقوهن كما يسـاق سبي الترك والروم في أشد المصـائب والهموم……)(2).
وفي رواية أخرى (…وحمل نساءه على أحلاس الأقتاب بغير وطاء ولا حجاب ، مكشفات الوجوه بين الأعداء ، ……)(3).
وقال صاحب البحار (……ولزينب بنت فاطمة البتول من قصيدة، انتخبت منها :-
تـاب
ثم ساق عطر الله مرقده الأبيات إلى أن قال :-
النسـاء السبايا بأنهن مكشفات الوجوه، ولو كانت سيرة المسلمات على كشف الوجه كما كل هذه الروايات، تعبر عن ادعي، لما احتيـج إلى التعبـير بهذا الشكـل، لأن السيرة معروفة على كشفه_كما يقولون_ . ولكنها عليها السسلام عبّرت بهذا النحو، لأن البغاة خالفوا الشرع والدين المقدس والسيرة والعرف، والدليل علـى مقولتنا هذه الأبيـات الأخيرة المنسوبة للسيـدة زينب عليها السلام.
مع السلامة
وبعد هذه المرثيات، نجد أن خروج نساء الحسين كان صعباًًُ وهن حواسـر، فهن كنوز العفة والطهـارة والستر، وهن ربائب التطهير والخفارة، وقد تسترن بهيبة أنوار الله جل جلاله على حـد تعبير الفقهاء والعلماء .
هذا حجـاب زينب في الأحوال غير العادية، والآن انظر معي إلى حجابها في الأحوال العادية :
قال الشيخ العلامة فرج العمران(قدس الله سره):{……… من ضمن رواية ساقها…… وحدث يحيا المازني قال:كنت في جوار أمير المؤمنين في المدينة مدة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصـاً ولا سمعت لها صوتـاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله صلى الله عليه وآله تخرج ليلاً، والحسن u عن يمينها، والحسين u عن شمالها وأمير المؤمنين u أمامها، فإذا اقتربت من القبر الشريف، سبقها أمير المؤمنين u فأخمد ضوء القناديل فسأله الحسن u مرة عن ذلك، فقال u : أخشى أن ينظر أحدٌ إلى شخص زينب عليها السلام }(1) .
أقول : إذا كان أمير المؤمنين u يعتبر النظر إلى شخص (أي شبح أو ظل) زينب عليها السلام مهانة وكبيرة، فكيف بوجه المرأة ؟!.
ويحق لنا أن نتساءل، لماذا لا يريد صاحب الغيرة أن ينظر أحدٌ إلى ظل ابنته ؟! طبعاً حتى لا يُميَّز ذلك الشخص المقدس ليعرف أنها امرأة، وتعرف مميزاته، فما ظنك بوجه المـرأة إذاً والنظر إليه ؟! ، فعلى النساء الاقتداء بالزهراء وابنتها عليهما السلام .
ثانياً :- ليس هناك دليل قطعي بأن إحدى بنات الرسالة قد خرجت على تلك الهيئة على نحو الاختيار، بل إنهن أُخرِجن قهراً ، ولقد كـانت المصيبة عظيمة جداً، بحيث كن يستـرن وجوههن بأيديهن، وقد سُلِبَت الأقراط من آذانهن، إلى غير ذلك كما تصرح به الروايات، بل قد تعدى الأمر إلى درجة كبيرة، ولكن قيام يزيد بسبيهن، كان بسوء اختياره، فلو لم يُقدَّر لهن السبي لاندثرت واقعة الطف، ولم يصل ذكرها للناس، ولم يعلموا جرائم يزيد (لع)، وإذا كان إتلاف النفس في رزء سيد الشهداء قليـلاً، فكيف الخروج على تلك الهيئة؟!، وهو أقل بكثير من إتلاف النفس، كما قـال المجتهد الأكبر الشيخ حسن الدمستاني t :-
ثالثاً:- خروج النساء على تلك الهيئة قهراً كان في الليل، فلم يتحدث الرواة عن خروج احدى العقائل النبوية نهاراً في حياة الامام الحسين u سوى العقيلة زينب الكبرى عليها السلام عندما رجع الامـام u بعد استشهاد أبي الحسن علي الأكبر u (1) .
وهذا يدل على الاصرار الشديد على مسألة ستر الوجه وعدم ابدائه حتى في الليل المظلم، ولكي يكون الليل سـاتراً لهن، اضافة لتسترهن بالنور الالهي .
فمعظم المصادر التي بين أيدينا تشير إلى أن بني أمية قتلوا الامام الحسين u ما بين صلاتي الظهر والعصر، وبقية المصادر تشير إلى أن القتل حصل قبل مغيب الشمس بنصف ساعة من أيام العرب، ثم مال الأعداء على سلب الامام الحسين u ، ثم رضوا الجسد الشريف، وبعدها تسابقوا على نهب بنات الرسالة . وهذا يعطي دلالة على طول الوقت حتى المغرب أو ما يقربه، وهو الوقت الذي أُخرجت فيه بنات الوحي . ثم إن أغلب المصادر تذكر أن النساء قد " أُخرجت " ولم " تخرج "، وهذا يشير إلى ان الأعـداء قد سلبوا النساء المقـانع والثياب ثم أجبروهن على الخروج (2) . وترى ذلك في أشعارهم :
ومنها :- أنشد الحسن بن الضحاك :
رابعاً :- توبيخ الحوراء زينب عليها السلام ليزيد اللعين على جرائمـه المخالفة للشرع الحنيف، ومنها تعمده كشف وجوه النساء، أكبر شاهد على عدم جـواز الكشف، وقد تظافرت بذلك النصوص ، فمنها :-
ألف :- من ضمن كلامها عليها السلام من الخطبة الزينبية في مجلس يزيد (لع) بالشام، قالت (……… أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائـرك وإمائك، وسوقـك بنات رسول الله صلى الله عليه وآلهقد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد …… )(3).
نستنتج من هذا المقطع بعضاً من الفوائد :-
الفائدة الأولى :- نلاحـظ أن لفظة "أبديت" تدل على أن إبداء الوجه موبقة كبيرة، حيث أن زينب عليها السلامقد بيـَّنت بعض الموبقات التي ارتكبها يزيد (لع) وعدَّدتها، وذكرت منها قتل الحسين، وسبي النسـاء، وكشف وجوههن، حيث عبـَّرت عن ذلك بقولها " قد أبديت وجوههن " فكانت جريمة كشف وجوه النساء ، كقتل الحسين u في فداحة الوزر .
واسمع ما قاله العلماء :
فمنهم : الشيخ محمد حسين الأصفهاني طيب الله ثراه الطاهر :
وأفظع الكل دخول الطاهرة حاسرة على ابن بنت هند ال… (1)
ومنهم : الشيخ علي الجشي رضوان الله تعالى عليه :-
فترى أن الشيخ الأصفهاني والشيـخ الجشي قد جعلا ادخال زينب عليها السلامحاسـرة على يزيد اللعين، أفظع وأمر وأدهى وأعظم حوادث الطف، بل أفظع من قتل الحسـين u ، وكذلك تـأوه الشيخ الجشي على ذلك الدخول، لكن جلال الله تعالى والنور الالهي حجب الطاهرات وسترهن بستر الله العظيم .
الفائدة الثانية :- لو أن كشف الوجه كان جائزاً، لما أنكرته السيـدة زينب عليها السلام، وذلك بقولهـا (أمن العـدل يا ابن الطلقاء ...) .
الفائدة الثالثة:-أن السيدة زينب عليها السلامألقت تلك الخطبة بحضور حجة الله الإمام زين العابدين u ، وكذلك حضور ابنه باقر علم النبيين u ، ونعلم أن الأحكام الشرعية تستنبط من القرآن الكريم، والسنة المقدسة الشريفة، كما نعلم أن السنة المقدسة عبارة عن قـول المعصوم أو فعله أو تقريره. وعدم اعتراض الإمام u على كـلام عمته تقرير ودليل على أن إبداء الوجه موبقة ومخالفة للشرع، إذ لو كان كشف الوجه جـائزاً لأنكر عليها كلامها. فإمضاؤه u لما قالته عمته، دليل على ما قلناه .
الفائدة الرابعة :- إن كلام العقيلة u ، بحـد ذاته تشريع موافق لحكم الله الواقعي، ويشهد له بذلك عـدة أدلة وقرائن، من ضمنها :-
أولاً:- كلمة الإمـام زين العابدين u بحـق عمته عقيلة الطالبيين عليها السلام (……… أنت عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة) (1)، تكفي في إثبات ملكة العصمة لها سلام الله عليها، وأن كل ما تقول به فهو موافق لحكم الله الواقعي .
ثانياً :- ذكر المقدس الشيـخ فرج العمران القطيفي (قدس الله سره الشريف) :-
(……وأما علمها، فهو البحـر الذي لا ينزف، فإنها سلام الله عليها هي المترباة في مدينة العلم النبوي، المعتكفة بعده ببابها العلوَي، المغتذاة بلبانة من أمها الصديقة الطاهرة سلام الله عليها ،…………، وقد نص لها بهذه الكلمة ابن أخيها علي بن الحسين u : أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة، يريد بذلك أن مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع، أفيض عليها إلهاماً لا يتخرج على أستاذ أو أخذ عن مشيخة، وإن كان الحصول على تلك القوة الربانية بسبب تهذيبات جدها وأبيها وأمها وأخويها، أو لمحض انتمائها عليهاالسلامإليهم واتحـادهم معهم في الطينـة المكهربين لذاتها القدسية،……………،وذكر"قدس سره"_أي الفاضـل الدربندي_ عند كلام السجاد u لها: يا عمة أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة . إن هذا الكلام حجة على أن زينب بنت أمير المؤمنين u كانت محدثة، أي ملهمة، وأن علمها من العلوم اللدنية والآثار الباطنية ،………، وعن الصدوق محمد بن بابويه_طاب ثراه _ كانت زينب u لها نيابة خاصة عن الحسين u ، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين u من مرضه )(1).
ثالثاً :- قال سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الشيخ الميرزا جواد التبريزي "دام ظله العالي" في رده عن سؤال حول ذلك :-
( س 1235:- هل يصح أن نقول بالعصمة لغير الأنبياء والأئمة عليهم السـلام كالسيدة الحوراء زينب عليها السلام وأبي الفضل العبـاس u ، وهل للعصمة مراتب ؟
جواب :- العصمة التي ذكرها الله في آية التطهير مختصة بالنبي وفاطمة والأئمة عليهم السـلام، المعبر عنهم بأربعة عشر معصوماً ، وفي سائر الناس من المنتسبين إلى النبي أو الأئمة صلوات الله عليهم لا تكون هذه العصمة، ولكن يمكن أن تكون بمرتبة نازلة، يمتازون بها عن سائر الأتقياء و الصلحاء، وهذا كما في أبي الفضل العباس والسيدة زينب عليهما السـلام، وغيرهما ممن ورد في حقهم بعض الأخبـار سلام الله عليهم أجمعين، كيف لا يكـون كذلك، فإن السيدة زينب شريكة الحسين عليهما السلام في قيامه بوجه الظالمين، فإن أسرها وخطبها التي إذا نطقت بها كأنها نطقت عن لسان أبيها u معروف مشـهور متواتر، وإن أبا الفضل العباس u فداؤه في سبيل أخيه الحسين u ، وما تحمَّل من المصائب في سبيل الدين وتشييد مذهب التشيـع أمر معروف بين عامة المسلمين، فضلاً عن المؤمنين، والله العالم)(1).
رابعاً :- قال الشيخ محمد حسين الأصفهاني ( قده) :
وقال الشيـخ علي الجشي القطيفي " عطر الله مرقده " في قصيدته التي جارى فيها الشيخ حسن الدمستاني t:-
وبعد هذا هل يحق لمدعٍ، أن يقول بأن هذا الكلام من قول السيدة زينب عليها السلام، وهي ليست مشرعة في الدين ! حتى يمكن العمل بمقتضى الرواية ؟!، وقد عرفت أقوال العلماء في حق السيدة زينب عليها السلامإضافة إلى تقرير الإمام u عمته بالعصمة في جميع أقوالها وأفعالها .
بـاء :- في الرواية التي ذكرها السيد المقرم عليه الرحمة، في بيـان ما حدث لأهل البيت عليهم السلام في الشام قال : (……… ثم أخرج_أي يزيد"لع"_الرأس، وصلب على باب القصر ثلاثة أيام، فلما رأت هند بنت عمرو بن سهيل زوجة يزيد الرأس على باب دارها والنور الإلهي يسطع منه، ودمه الطـري لم يجف، ويشم منه رائحة طيبة، دخلت المجلـس مهتوكة الحجاب وهي تقول : رأس ابن بنت رسول الله على باب دارنا، فقام إليها يزيد وغطاها، وقال لها اعولي عليه يا هند، فإنه صريخة بني هاشم، عجَّـل عليه ابن زياد، ……)(1) .
وفي رواية الشيخ المجلسي أعلى الله مقامه:قال(…… وخرجت هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز امرأة يزيد، وكانت قبل تحت الحسين u ، حتى شقت الستر وهي حاسرة، فوثبت إلى يزيد وهو في مجلس عام، فقالت يا يزيد،أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب على فناء بابي، فوثب إليها يزيد فغطاها . وقال نعم فاعولي عليه يا هند وابكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش ، عجَّل عليه ابن زياد لعنه الله فقتله ، قتله الله ……)(2).
وفي رواية الشيخ عباس القمي t ، قال (………فلما رأى _أي يزيد_زوجته على تلك الحالة_مهتوكة الستر_ وثب إليـها فغطاها ، وقال يا هند فاغمري ……)(3).
أقول : إذا كان هذا حال الفاسق يزيد، شارب الخمور، الفاعل في المحارم، الذي لم يرَ محرماً إلا ارتكبه، يكون غيوراً على أهله من أن تخرج كاشفة أمام الأجانب، فكيف بالمؤمن الموالي ؟! ، هل يرضى هذا المؤمن أن يكون يزيد الخمور أفضل منه في غيرته على أهله ؟! لا أظن مؤمناً يرضى بذلك أبداً .
أما الروايات التي تقول (……فلما دخلنا دمشق، أدخل بالنساء والسبايا بالنهار مكشفات الوجوه، فقال أهل الشام الجناة ………ما رأينا سبـايا أحسن من هؤلاء، فمن أنتم ؟، فقالت سكينة بنت الحسين u : نحن سبايا آل محمد صلى الله عليه وآله…… )(1).
وكذلك (………ثم رحل_أي عمر بن سعد"لع"_بمن تخلف من عيـال الحسين u ، وحمل نساءه صلوات الله عليهن على أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاء، مكشفات الوجوه بين الأعـداء ، وهن ودائع الأنبياء وساقوهن كما يسـاق سبي الترك والروم في أشد المصـائب والهموم……)(2).
وفي رواية أخرى (…وحمل نساءه على أحلاس الأقتاب بغير وطاء ولا حجاب ، مكشفات الوجوه بين الأعداء ، ……)(3).
وقال صاحب البحار (……ولزينب بنت فاطمة البتول من قصيدة، انتخبت منها :-
تـاب
ثم ساق عطر الله مرقده الأبيات إلى أن قال :-
النسـاء السبايا بأنهن مكشفات الوجوه، ولو كانت سيرة المسلمات على كشف الوجه كما كل هذه الروايات، تعبر عن ادعي، لما احتيـج إلى التعبـير بهذا الشكـل، لأن السيرة معروفة على كشفه_كما يقولون_ . ولكنها عليها السسلام عبّرت بهذا النحو، لأن البغاة خالفوا الشرع والدين المقدس والسيرة والعرف، والدليل علـى مقولتنا هذه الأبيـات الأخيرة المنسوبة للسيـدة زينب عليها السلام.
مع السلامة