الإمامة الإلهية لأهل البيت (عليهم السلام)
تصور خاطئ :
هناك تصور خاطئ سائد لدى الكثير من الكتاب والمفكرين حول مفاهيم (العصمة) و(النص) و(اهل البيت) و(الاثني عشرية) و(غيبة المهدي وانتظار ظهوره) المتداولة في الفكر الشيعي بتقدير انها مفاهيم وافكار ترتبط بنظرية الحكم والنظرية السياسية ، والحال ان هذه المفاهيم والافكار لا ترتبط بنظرية الحكم في الفكر الشيعي الا بمقدار ارتباط مفهوم النبوة والرسالة بنظرية الحكم في الفكر السني .
فكما ان ارتباط مفهوم النبوة والرسالة بالحكم في الفكر السني قائم على فكرة مواصلة بيان الرسالة ومفاهيمها الجزئية التي ترتبط بالحكم بشكل عملي لاعطاء تجربة معصومة يقتدى بها في هذه الامور وليس قائما على اساس ان هذا المقام لا يجوز الا للنبي او الرسول ، كذلك ارتباط الحكم باهل البيت الاثني عشر (عليهم السلام) في الفكر الشيعي فهو قائم على اساس مواصلة التجربة المعصومة التي مارسها النبي (صلى الله عليه وآله) من قبل هؤلاء الاثني عشر لتعميقها وتوضيح تفاصيلها في الاحوال المختلفة التي تمر على الامة ، وليس لبيان ان موقع الحكم لا يجوز الا لهؤلاء الاثني عشر فاذا غاب الامام الثاني عشر يتعطل النظام السياسي .
وفي هذا السياق يأتي الدور الايحابي لغيبة المعصوم فان من ابرز حكم الغيبة واسرارها الواضحة هي اتاحة الفرصة للامة التي حملت تراث الائمة المعصومين ان تمارس مسؤولياتها الفكرية والعلمية والسياسية على اساس فهمها البشري غير المعصوم للقرآن والتراث الفكري الذي خلفته التجربة المعصومة للنبي والائمة ، وتأتي ايضاً فكرة عودة المعصوم الغائب في آخر الدنيا وظهوره مرة ثانية على المسرح
الاجتماعي والسياسي لتقييم التجارب السابقة للمسيرة غير المعصومة والكشف عن مستوى تمثيلها وصدق تعبيرها وأمانتها من ناحية ، ومن ناحية اخرى لتحقيق الوعدالالهي المذكور في قوله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ)الأنبياء/105 ويتمثل هذا الوعد بحياة حرة سعيدة في ظل النظامالالهي على الارض كلها حيث تستأصل كل عوامل الاختلاف والانحراف المؤدية الى الشر والفساد .
وتفصيل ذلك فيما يلي :
ثلاث طبقات من العلماء بشريعة الله في الكتب السابقة :
قال تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ الله وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلا تَشْتَرُوا بآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِك هُمْ الْكَافِرُونَ) /المائدة /44 وضحت لنا الآية الكريمة قاعدة دستورية ثابتة تتعلقبالحكم مفادها : ان من شروط الحاكم بقانون الله وشريعته ان يكون عالما به مستقيما عليه ، ثم ذكرت ثلاث طبقات من العلماء بقانون الله وشريعته وهم النبيون والربانيون والاحبار . وسكتت الاية عن بيان كيفية ممارسة الحكم من قبل هؤلاء ، وهنا لا بد لنا من الرجوع الى السنة بوصفها المبينة للاحكام المجملة ، شأننا في ذلك شأننا مع الصلاة والزكاة حين بيَّن القرآن حكمها العام وترك بيان التفاصيل الى السنة وهو معنى قولهتعالى (وَأَنزَلْنَا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44 .
النبيون : هم الذين يكون علمهم عن طريق الله تعالى مباشرة بلا توسط الملك وقد يضاف الى ذلك توسط الملك ولا يُعرَفون الا بالمعجزة او بالنص او بكليهما .
الربانيون : هم المطهرون المعصومون من العلماء ويكون علمهم بالدراسة الخاصة على يد النبي او الرباني ويضاف اليه الالهام بواسطة الملك ولا يُعرَفون الا بالنص او بالنص والمعجزة .
والرباني منزلته دون النبي وفوق الحبر وقد بين القرآن عددا من أفراد الربانينكالاسباط من ذرية يوسف المشار اليهم في قوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِىَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)البقرة/136 .وطالوت والاسباط من ذرية هارون وهم آل هارون المشار اليهم في قوله تعالى :واثبتها لآل هارون وطالوت (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْك مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ الله اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَالله يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ . وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَك آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِك لَ آيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) البقرة/247-248 .
وقد اثبتها القرآن ايضا لمريم ونص انها محدَّثة من قبل الملائكة باذن الله تعالى (وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ الله اصْطَفَاك وَطَهَّرَك وَاصْطَفَاك عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ . يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّك وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) آل عمران/42-43 .
وأثبت القرآن ايضا ان هذا الصنف من العلماء المطهرين يؤيدهم الله تعالى بما أيد به انبياءه من ظهور معجزات على ايدهم يظهرونها عند الحاجة اليها (قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيك بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِك وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيك بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْك طَرْفُك فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِىٌّ كَرِيمٌ (40)) النمل ، والشخصالذي كان عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا وكان وارث سليمان ووصيه ولم يكن نبياً .
الاحبار : وهم حملة الكتاب الالهي من اتباع النبيين والربانيين ورواة احاديثهم الفقهاء الذين يكون علمهم عن طريق التلقي والدراسة فقط ويُعرَفون علميا من خلال
نتاجهم العلمي ، ويُعرَف استحفاظهم واستقامتهم من خلال سيرتهم العملية فمنهمالمضيع لكتاب الله ومنهم الحافظ لها الامين عليها . (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) المائدة/66
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى الله إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) الأعراف/169
أخطر مسألة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) :
ان اهم وأخطر مسألة خلافية بين المسلمين على الاطلاق هي التي ترتبط بجواب السؤال التالي وهو : هل ان العلماء بالقرآن والسنة في امة خاتم الانبياء منذ البعثة والى قيام الساعة هم صنفان النبي الطاهر المطهر والفقهاء غير المطهرين غير المعصومينالمشار اليهم في قوله تعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة/122 ،أم يوجد صنف ثالث وهم العلماء المطهرون نص النبي عليهم وعلى عددهم وعرَّف بهم كما نص موسى مثلا على آل هارون وعرَّف بهم وكما نص زكريا على مريم وعرَّف بها ؟
الشيعة :
قام الكيان الشيعي على الجواب الايجابي على السؤال الآنف الذكر وذلك تبعا لما ورد في القرآن والسنة الصحيحة وتبعا لحركة الائمة الإثني عشر في الامة وما صدر عنهم من اقوال وسيرة .
فالقرآن اثبت وجود مطهرين معصومين من أهل بيت النبي دون غيرهم ولم يسمِّهم وسمّاهم النبي كما ورد في الحديث النبوي المعروف بحديث الكساء .
واثبت القرآن ان موقع الشهيد على الناس البشير النذير الذي جعله الله تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله) ابتداء (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) الأحزاب/45 مستمر في الامة بعد النبي في اهل بيته قال تعالى (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً) هود/17وقوله تعالى (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ (1) وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) الحج/78 .
ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ الله مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)) النساء/54-55 وآل ابراهيم هنا هم البقية الباقية من عترته المشار اليها في قوله تعالى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِن الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَك وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّك أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِك وَيُعَلِّمُهُم الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)) البقرة/127-129
وآل ابراهيم هؤلاء قد أورثهم النبي (صلى الله عليه وآله) بامر الله تعالى الكتاب وبيانه وراثة خاصة قال تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِك هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) فاطر/32 فالوارث للكتاب هو السابق بالخيرات . اما المقتصد فهو المتعلم منهم ، اما الظالم لنفسه فهو التارك لهم الصادّ عنهم . وهذه الوراثة نظير وراثة آل هارون تراث موسى المشار اليه في قوله تعالى (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَك آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِك لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) البقرة/248 .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) والاية توضح ايضا ان هؤلاء الشهداء على الناس قد بشر بهم في الكتب السابقة كما بشر بالنبي (ص) .
وقد كلف الله تعالى هؤلاء الوارثين السابقين بالخيرات بإذن الله ان يحفظوا الرسالة بعد النبي وعرضهم على الناس ائمة هدى وفرض الاقتداء بهم (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُوْلَئِك الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)) الأنعام (1) .
وقد أكد النبي (صلى الله عليه وآله) مفاهيم هذه الايات بقوله : (إني تارك فيكم أمرين (وفي رواية ثقلين)لن تضلوا إن اتبعتموهما(وفي رواية ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا) : كتاب الله وعترتي أهل بيتي فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم . ثم قال : أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : نعم . فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) . وقوله : (يا علي انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي) . وقوله : (يكون لهذه الامة اثنا عشر قيِّماً لا يضرهم من خذلهم كلهم من قريش) . وقوله : (يكون بعدي من الخلفاء عدة أصحاب موسى) واصحاب موسى في القران اثنا عشر كما قال تعالى (وَلَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ نَقِيبًا)المائدة/12-13 . وقال تعالى (وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَوَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا)الاعراف/159-160 . وقوله (صلى الله عليه وآله) : (الحسن والحسين سبطان من الاسباط) .
وتحرك علي والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين (عليه السلام) في الواقع التاريخي حركة منسجمة مع تلك النصوص مع تصريح منهم انهم المراد بهم في تلك الايات دون غيرهم .
قال علي (عليه السلام) : (أين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ان رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطى الهدى ويستجلى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كرسنا كتابا خاصا لبحث الامامة الالهية لاهل البيت في ضوء القرآن وقبل الرجوع الى السنة النبوية المطهرة .
تصور خاطئ :
هناك تصور خاطئ سائد لدى الكثير من الكتاب والمفكرين حول مفاهيم (العصمة) و(النص) و(اهل البيت) و(الاثني عشرية) و(غيبة المهدي وانتظار ظهوره) المتداولة في الفكر الشيعي بتقدير انها مفاهيم وافكار ترتبط بنظرية الحكم والنظرية السياسية ، والحال ان هذه المفاهيم والافكار لا ترتبط بنظرية الحكم في الفكر الشيعي الا بمقدار ارتباط مفهوم النبوة والرسالة بنظرية الحكم في الفكر السني .
فكما ان ارتباط مفهوم النبوة والرسالة بالحكم في الفكر السني قائم على فكرة مواصلة بيان الرسالة ومفاهيمها الجزئية التي ترتبط بالحكم بشكل عملي لاعطاء تجربة معصومة يقتدى بها في هذه الامور وليس قائما على اساس ان هذا المقام لا يجوز الا للنبي او الرسول ، كذلك ارتباط الحكم باهل البيت الاثني عشر (عليهم السلام) في الفكر الشيعي فهو قائم على اساس مواصلة التجربة المعصومة التي مارسها النبي (صلى الله عليه وآله) من قبل هؤلاء الاثني عشر لتعميقها وتوضيح تفاصيلها في الاحوال المختلفة التي تمر على الامة ، وليس لبيان ان موقع الحكم لا يجوز الا لهؤلاء الاثني عشر فاذا غاب الامام الثاني عشر يتعطل النظام السياسي .
وفي هذا السياق يأتي الدور الايحابي لغيبة المعصوم فان من ابرز حكم الغيبة واسرارها الواضحة هي اتاحة الفرصة للامة التي حملت تراث الائمة المعصومين ان تمارس مسؤولياتها الفكرية والعلمية والسياسية على اساس فهمها البشري غير المعصوم للقرآن والتراث الفكري الذي خلفته التجربة المعصومة للنبي والائمة ، وتأتي ايضاً فكرة عودة المعصوم الغائب في آخر الدنيا وظهوره مرة ثانية على المسرح
الاجتماعي والسياسي لتقييم التجارب السابقة للمسيرة غير المعصومة والكشف عن مستوى تمثيلها وصدق تعبيرها وأمانتها من ناحية ، ومن ناحية اخرى لتحقيق الوعدالالهي المذكور في قوله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ)الأنبياء/105 ويتمثل هذا الوعد بحياة حرة سعيدة في ظل النظامالالهي على الارض كلها حيث تستأصل كل عوامل الاختلاف والانحراف المؤدية الى الشر والفساد .
وتفصيل ذلك فيما يلي :
ثلاث طبقات من العلماء بشريعة الله في الكتب السابقة :
قال تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ الله وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلا تَشْتَرُوا بآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِك هُمْ الْكَافِرُونَ) /المائدة /44 وضحت لنا الآية الكريمة قاعدة دستورية ثابتة تتعلقبالحكم مفادها : ان من شروط الحاكم بقانون الله وشريعته ان يكون عالما به مستقيما عليه ، ثم ذكرت ثلاث طبقات من العلماء بقانون الله وشريعته وهم النبيون والربانيون والاحبار . وسكتت الاية عن بيان كيفية ممارسة الحكم من قبل هؤلاء ، وهنا لا بد لنا من الرجوع الى السنة بوصفها المبينة للاحكام المجملة ، شأننا في ذلك شأننا مع الصلاة والزكاة حين بيَّن القرآن حكمها العام وترك بيان التفاصيل الى السنة وهو معنى قولهتعالى (وَأَنزَلْنَا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44 .
النبيون : هم الذين يكون علمهم عن طريق الله تعالى مباشرة بلا توسط الملك وقد يضاف الى ذلك توسط الملك ولا يُعرَفون الا بالمعجزة او بالنص او بكليهما .
الربانيون : هم المطهرون المعصومون من العلماء ويكون علمهم بالدراسة الخاصة على يد النبي او الرباني ويضاف اليه الالهام بواسطة الملك ولا يُعرَفون الا بالنص او بالنص والمعجزة .
والرباني منزلته دون النبي وفوق الحبر وقد بين القرآن عددا من أفراد الربانينكالاسباط من ذرية يوسف المشار اليهم في قوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِىَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)البقرة/136 .وطالوت والاسباط من ذرية هارون وهم آل هارون المشار اليهم في قوله تعالى :واثبتها لآل هارون وطالوت (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْك مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ الله اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَالله يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ . وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَك آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِك لَ آيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) البقرة/247-248 .
وقد اثبتها القرآن ايضا لمريم ونص انها محدَّثة من قبل الملائكة باذن الله تعالى (وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ الله اصْطَفَاك وَطَهَّرَك وَاصْطَفَاك عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ . يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّك وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) آل عمران/42-43 .
وأثبت القرآن ايضا ان هذا الصنف من العلماء المطهرين يؤيدهم الله تعالى بما أيد به انبياءه من ظهور معجزات على ايدهم يظهرونها عند الحاجة اليها (قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيك بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِك وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيك بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْك طَرْفُك فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِىٌّ كَرِيمٌ (40)) النمل ، والشخصالذي كان عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا وكان وارث سليمان ووصيه ولم يكن نبياً .
الاحبار : وهم حملة الكتاب الالهي من اتباع النبيين والربانيين ورواة احاديثهم الفقهاء الذين يكون علمهم عن طريق التلقي والدراسة فقط ويُعرَفون علميا من خلال
نتاجهم العلمي ، ويُعرَف استحفاظهم واستقامتهم من خلال سيرتهم العملية فمنهمالمضيع لكتاب الله ومنهم الحافظ لها الامين عليها . (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) المائدة/66
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى الله إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) الأعراف/169
أخطر مسألة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) :
ان اهم وأخطر مسألة خلافية بين المسلمين على الاطلاق هي التي ترتبط بجواب السؤال التالي وهو : هل ان العلماء بالقرآن والسنة في امة خاتم الانبياء منذ البعثة والى قيام الساعة هم صنفان النبي الطاهر المطهر والفقهاء غير المطهرين غير المعصومينالمشار اليهم في قوله تعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة/122 ،أم يوجد صنف ثالث وهم العلماء المطهرون نص النبي عليهم وعلى عددهم وعرَّف بهم كما نص موسى مثلا على آل هارون وعرَّف بهم وكما نص زكريا على مريم وعرَّف بها ؟
الشيعة :
قام الكيان الشيعي على الجواب الايجابي على السؤال الآنف الذكر وذلك تبعا لما ورد في القرآن والسنة الصحيحة وتبعا لحركة الائمة الإثني عشر في الامة وما صدر عنهم من اقوال وسيرة .
فالقرآن اثبت وجود مطهرين معصومين من أهل بيت النبي دون غيرهم ولم يسمِّهم وسمّاهم النبي كما ورد في الحديث النبوي المعروف بحديث الكساء .
واثبت القرآن ان موقع الشهيد على الناس البشير النذير الذي جعله الله تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله) ابتداء (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) الأحزاب/45 مستمر في الامة بعد النبي في اهل بيته قال تعالى (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً) هود/17وقوله تعالى (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ (1) وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) الحج/78 .
ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ الله مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)) النساء/54-55 وآل ابراهيم هنا هم البقية الباقية من عترته المشار اليها في قوله تعالى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِن الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَك وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّك أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِك وَيُعَلِّمُهُم الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)) البقرة/127-129
وآل ابراهيم هؤلاء قد أورثهم النبي (صلى الله عليه وآله) بامر الله تعالى الكتاب وبيانه وراثة خاصة قال تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِك هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) فاطر/32 فالوارث للكتاب هو السابق بالخيرات . اما المقتصد فهو المتعلم منهم ، اما الظالم لنفسه فهو التارك لهم الصادّ عنهم . وهذه الوراثة نظير وراثة آل هارون تراث موسى المشار اليه في قوله تعالى (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَك آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِك لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) البقرة/248 .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) والاية توضح ايضا ان هؤلاء الشهداء على الناس قد بشر بهم في الكتب السابقة كما بشر بالنبي (ص) .
وقد كلف الله تعالى هؤلاء الوارثين السابقين بالخيرات بإذن الله ان يحفظوا الرسالة بعد النبي وعرضهم على الناس ائمة هدى وفرض الاقتداء بهم (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُوْلَئِك الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)) الأنعام (1) .
وقد أكد النبي (صلى الله عليه وآله) مفاهيم هذه الايات بقوله : (إني تارك فيكم أمرين (وفي رواية ثقلين)لن تضلوا إن اتبعتموهما(وفي رواية ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا) : كتاب الله وعترتي أهل بيتي فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم . ثم قال : أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : نعم . فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) . وقوله : (يا علي انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي) . وقوله : (يكون لهذه الامة اثنا عشر قيِّماً لا يضرهم من خذلهم كلهم من قريش) . وقوله : (يكون بعدي من الخلفاء عدة أصحاب موسى) واصحاب موسى في القران اثنا عشر كما قال تعالى (وَلَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ نَقِيبًا)المائدة/12-13 . وقال تعالى (وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَوَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا)الاعراف/159-160 . وقوله (صلى الله عليه وآله) : (الحسن والحسين سبطان من الاسباط) .
وتحرك علي والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين (عليه السلام) في الواقع التاريخي حركة منسجمة مع تلك النصوص مع تصريح منهم انهم المراد بهم في تلك الايات دون غيرهم .
قال علي (عليه السلام) : (أين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ان رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطى الهدى ويستجلى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كرسنا كتابا خاصا لبحث الامامة الالهية لاهل البيت في ضوء القرآن وقبل الرجوع الى السنة النبوية المطهرة .