. الزهراء(عليها السلام ) والحجاب
الشبهة الرابعة :- القـول بجواز كشف الوجه لادعائهم الباطل بأن الزهراء سلام الله عليها أول من تنقبت !!
لقد تعرض هؤلاء إلى مقـام الصديقة الطاهرة الزهراء عليها السلام، فقالوا أنها أول من تنقبت !!، ويعضدون ذلك بأقوال لا تصمد أمام الدليل والنقد !! .
إن الإنسان المؤمن بغيرته الإيمانية على السيدة الزهراء ، ينفي هذا التصور القبيح في حقها عليها السلام .
إن مقام الزهراء سلام الله عليها أعلى وأجل من أن ينظر إليها أجنبي، ويؤيد ذلك أن سيرة المسلمات كانت بلزوم الحجاب بستر الوجه_على خلاف مدعاهم_، ولم تكن عليها السلام خارجة عن نطاقهن، بل هي ربيبة الرسالة، وستعرف ذلك في تفسير الآيات لاحقاً، إضافة إلى هذا، فإن هناك جملة من الروايات الشريفة، تؤكد بأن الزهراء سلام الله عليها كانت ملتزمة بستـر الوجه لأبعد الحدود، واليك بعضها:-
1_ (… نقل أبو نعيم الأصفهاني عن رسول الله صلى الله عليه وآلهأنه قال لجمع من الحاضرين:ما خير النساء؟. فلم يدرِ الحاضرون ما يقولون، فسار علي u إلى فاطمة فأخبرها بذلك. فقالت: فهلا قلت له: خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يرونهن . فرجع علي u فأخبره بذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من علمَك هذا ؟ قال : فاطمة "عليها السلام" ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله إنها بضعة مني ) (1).
لا يخفى على من له أدنى معرفة من أن الإمام علي u يعلم الجواب ، كيف لا !وهو باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن سكوته عن الجواب كان لبيان مقام فاطمةعليها السلام، حتى تقتدي النساء بها، وجواب الصديقة الطاهرة إنما هو تفسير للآية المباركة بصورة مختصرة، وقد قرر الفقهاء ذلك في أحكام نظر الرجـل للمرأة و العكس ، وكذلك في أحكام ستر المرأة .
2_ من أحداث الخطبة الفاطمية القاصعة في المسجد النبوي الشريف أنها(…لاثت خمارها، ثم أقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها، تطأ أذيالها ما تخرم مشية رسول الله صلى الله عليه وآله)،وفي لفظة أخرى (……لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابهـا وأقبلت في لمة من …)(2).
واليك أقوال العلماء في شرح هذه المقاطع :
القول الأول: للمولى محمد علي الأنصاري{لاثت خمارها، أي عصبته، يقال : لاث العمـامة على رأسه يلوثها لوثاً، أي شدها وربطها، والخمار _بالكسر_ المقنعة، سميت بذلك لأن الرأس يخمَّر بها أي يغطى، وكل شيء غطيته فقد خمرته، والتخمير هو التغطية . والجلباب_بالكسر_ يُطلـق على الملحفة والرداء والازار،والثوب الواسع للمرأة دون الملحفة، والثوب كالمقنعة وهو ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها ويبقى منه ما ترسله على صدرها، ومعنى " يدنين عليهن من جلابيبهن " أي يرخينها عليهن، ويغطين به وجوههن وأعطافهن . "واشتملت" الاشتمال على الشيء الاحاطة به ، والمـراد أنها عليها السلام غطت راسها وصدرها أولا بالمقنعة، ثم لبست ملحفة تغطي جميع بدنها، فالتفت بها، وهذا كناية عن غاية التستر وهي عادة النساء الخفرات،(الخَفَرُ_ بالتحريك_ شدة الحياء)، إذا اردن الخـروج من الدار إلى الخارج تحفظاً عن الأجانبة.و"اللمة"الجماعة والمراد أنها عليها السلام خرجت في لمة من نسائها تتوطأ ذيلها. و" الحفدة" _بالتحريك_ الأعوان والخدم وقيل ولد الولد أيضاً، والمراد هنا الأول. والاتيان بلفظ "في" في قوله " وأقبلت في لمة من حفدتها" دون أن يقول " مع لمة " اشارة إلى أنها كانت بينهن وهن مجتمعات حولها، محيطات بها، و"تطأ ذيولها" أي كانت أثوابها طويلة تستر قدميها، وتضع عند المشي قدمها عليها. وجمع الذيل باعتبار الأجزاء، أو تعدد الأطراف الأربعة، وفي نسخة أخرى " تجر أدرعها" ودرع المرأة قميصها، وجـرَّ الأدرع كناية عن كون أذيال قميصها طويلة ملاصقة للأرض }(1).
القول الثاني: {لاثت أي شدت ولفت،وخمارها:ثوب يغطى به الرأس. واشتملت: وهو ما يدار على الجسد كله بحيث لا يخرج منه شيئ . وجلبابها: الجلبـاب هو ما يستر جميع البـدن كالملحفة }(1).
القول الثالث: {اللوث هو الطي، ولاثت خمارها لفته، والخمار المقنعة، واشتملت" جعلته شاملاً، والجلباب الرداء والازار أي جعلت الازار أو الرداء شاملاً لجسدهـا حتى وصفتها الرواية بأنها تطأ ذيولها أي أن أثوابها كانت طويلة تستر قدمها الشريف فكانت تطأها عند المشي }(2).
القول الرابع :يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي {…… فإن ستارًا قد أسدل ليحجب النساء، ثم إنها كانت تتوسط جمع النساء اللاتي رافقنها، مرتدية عباءة غطت جميع أجزاء جسدها الشريف بشكل لا يمكن تشخيصها أو تمييزها ، ثم ألقت خطبتها من وراء الستر }(3).
القول الخامس: قال الشيـخ عباس القمي {……لاثت خمارها أي لفته، والجلباب هو الرداء والإزار }(4).
ويظهر مما تقدم ، بعض من الفوائد وهي : -
الفائدة الأولى :- أن فاطمة الزهراء عليها السلام كانت محجبة بستر الوجه،ونعرف ذلك من "لاثت خمارها"،وقد عرفت أن الخمار هو المقنعة والتي تغطي رأسها إلى صدرها، وهذا يعني أن الوجه مستور، إضافة إلى هذا"واشتملت بجلبابها" أي ولفت عليها رداء،وهي العباءة التي تكون فوق الخمار، أو ما تسمى بـ"البوشية".
الفائدة الثانية :- أن رداء الزهراء عليها السلام وعباءتها، كانا طويلين جداً لدرجة أنها عليها السلام تطأ ( أي تدوس ) على الزائد منها .
الفائدة الثالثة :- أن تلك العباءة قد غطت جميع أجزاء بدنها الشريف، بحيث لا يمكن تشخيصها، وهذا يدلل على أن العبادة واسعة "أي فضفاضة"، وغير مجسمة كما هي العباءة المغربية المحرمة أو ما تعرف بـ" الكتافي أو الكاب".
الفائدة الرابعة:- أن الزهراء عليها السلام قدمت إلى المسجد في جماعة من النساء،حتى لا يمكن تمييز شخصها،ولا يعرفها الأجنبي، ولا يطلع على قامة الزهراء عليها السلام، هل هي طويلة أم قصيرة، أم …،أم …، وبهذا تختلط الزهراء مع النساء، ولا يعرف مكانها، فضلاً عن شخصها المقدس .
فقولهم " أنها أول من تنقبت" باطل، فهيعليها السلام حريصة على أن لا يُعرف شخصها، فكيف يمكن التصديق بأنها أبدت عينيها أو جزءاً من بدنها الشريف ؟!، بل إن أول من ابتدعت النقاب هي آكلة الأكباد هند بنت عتبة، فراجع التاريخ الصحيح .
وأما عن هذا القول بأن الزهراء سلام الله عليهاهي أول من تنقبت!!! .
فنقول في رد هذه المزاعم : إضافة لما ذكرناه سابقاً، وأن ذلك ينفي أن تكون الزهـراء عليها السلام متنقبة، وأنها أشرف من أن تُظهـر شخصها الشريف، أو أن تخالف الشرع المقدس لما عرفت من سيرة المسلمات، وحرمة كشف الوجه ولو جزءاً منه، كما عرفت ذلك، ولا فرق بين النقاب أو البرقع في الحرمة،نعم هناك فرق في وصفهما، فالنقاب عبارة عن قناع يستر وجهة المرأة إلا عينيها، أما البرقع فهو عبارة عن ستر المرأة للنصف الأسفل من وجهها من أنفها إلى نحرها، وتنكشف العينان والجبهة(1). ونقول إن أول من تنقبت هي هند بنت عتبة، ولدينا ما يثبت ادعائنا .
فنرد على ذلك، بذكر بعض ما نقله العلماء من روايات شريفة، تؤكد بطلان ما ذهبوا إليه في مقام أشرف نساء العالمين، فنقول وبالله التوفيق :-
منها ما رواه الشيخ المجلسي "أعلى الله مقامه" ( ……… أن النبي صلى الله عليه وآله بايعهن(2)، وكان على الصفا، وكان عمر أسفل منه، وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً من أن يعرفها رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال:أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً، فقالت هند: إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأينـاك أخذته على الرجـال، وذلك أنه بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجـهاد …إلخ )(1).
ومنها ما رواه ابن أبي الحديـد ( ………أن هند بنت عتبة جاءت رسول الله صلى الله عليه وآله مع نساء قريش متنكرة متنقبة لحدثها الذي كان في الإسلام، وما صنعت بحمزة حين جدعته وبقرت بطنه عن كبده، فهي تخاف أن يأخذها رسول الله صلى الله عليه وآله بحدثها ذلك فلما دنت منه، وقال حين بايعنه على ألا يشركن بالله …………إلخ )(2).
ومنها ما ذكره الشهيـد المطهري نقلاً عن "ويل ديورانت" في قصة الحضارة : ( …… وأخذن (3)بعد عام 715هـ يغطين بالنقاب وجههن أسفل عيونهن، وازداد انتشار هذه العادة تدريجياً بعد ذلك العام )(4).
لكن القول الذي أشرنا اليه بأن هند هي أول من تنقبت هو الأصح .
ومنها مارواه المفسرون حول آية { يـا أيـها النبي إذا جائك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ..}(5).
فقد جاء في تفسير هذه الآية (..... وروي أنه صلى الله عليه وآله بايعهن على الصفا، وكان عمر أسفل منه وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً من أن يعرفها رسول الله صلى الله عليه وآله.....) (1).
ومنها ما رواه الشيخ السبحاني ( وقد تلا رسول الله صلى الله عليه وآله ما نزل من قوله تعالى من شروط البيعة عليهن، فلما بلغ إلى قوله تعالى { ولا يسرقـن } نهضت هند_ وكانت آنذاك متنقبة متنكر، وقالت..)(2).
ولقد بحثنا جاهدين_ويشهد الله_في ما بأيدينا من كتب، علنا نظفر برواية واحدة تتحدث أن الزهراء قد تنقبت فضلاً عن أنها أول من تنقبت، فلم نظفر بشيء من ذلك، بل على العكس، رأينا أن هناك الكثير من الروايات التي تصرح بـ "ابتداع" آكلة الأكباد لما يعرف بالتنقب.
وهناك عدة اشكالات قد يوردها البعض في مقـام الصديقة الطاهرة عليها السلام :-
منها:أن فاطمة عليها السلام سيدة النساء، وبنت خير الأنبياء، وزوجة سيد الأوصياء، وهي المخدرة العظمى، ومحل العصمة الكبرى، فكيف يصح لشأنها في شرع أبيها خروجها من خدرها،وتدخل المسجد الغاص بالمهاجرين والأنصار، وهـم أجانبة عنها، تسمعهـم صوتها، وتتكلم معهم، ويتكلمون معها ؟ وكيف رضي أمير المؤمنين u بذلك منها؟ مع أنه كان بإمكانه أن يقوم بدورها بالوكالة عنها حتى لا يسمع الأجانبة كلامها .
وقد أجاب عن هذا الاشكال المولى محمد علي الأنصاري (قده) بقوله: " إن الضـرورات تبيح المحذورات، وأنهم عليهم السلام لم يكونوا مكلفين إلا بالعمل على طبق الصورة الظاهرية والاتصاف بلوازم البشر …" (1).
ونقل (قده) عن الفاضل البهبهاني : أن أخبار تكلم فاطمة عليها السلام في فدك في حضور الصحابة متواتر البتة، وكـانت عليها السلام أعلم من غيرها بالأحكام الشرعية، ولعله من باب الضرورة التي يجوز لأجلهم تكلم النساء مع الرجال باجماع الأمة .
{وأما تكلمها مع سلمان وجـابر وسائر الصحابة، فلم يتحقق لنا، وبعض النظرات الواقعة منهم ومنها، لعله من باب الاتفاقات الضرورية، وأن الأحكام بالنسبة إلى الأعصـار مختلفة، ولعله لم ينزل في تلك الأوقات آية الحجاب ونحوه، وعلى نحوه يحمل ما ورد أن النبي صلى الله عليه وآله سمع صوت جماعة من النساء في ليلة زفاف فاطمة علها السلام على فرض إن كانت فيهن من لم تكن محرماً بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وكذلك خروج النساء يوم الطف من باب الضرورة} (1) .
ومنها :- أنها عليها السلام كانت تلتقي بالرجال وتتحدث معهم في مناسبات كثيرة، وكانت عليها السلام تخرج مع من يخرجن مع النبي صلى الله عليه وآله في غزواته ليقمن بشؤون الحرب . وكان النبي صلى الله عليه وآله يستقبل النساء، ولو صح أنه خير للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يرونها، لكان ينبغي أن يجعل صلى الله عليه وآله حاجزاً بينه وبين كل امرأة تأتيه، ويقول لهـا: تكلمي من وراء حجاب .
وفي رد هذا الإشكال، ننقل ما سطره السيد جعفر مرتضى العاملي :-
{ أولاً :- إن التقاءهـا عليها السلام بالرجال في أيام الأزمة التي واجهتها…، لا يعني أنها قد كشفت عن وجهها للناظرين، وحديثها معهم قد يكون من وراء الحجاب(2)، أو في حالة لا تريهم فيها وجهها.وليس المقصود من عدم رؤيتها للرجال، وعدم رويتهم لها : أن لا ترى ولا يرى كل منهم حجم وشكل الطرف الآخر .
كما أن خروجها مع النبي صلى الله عليه وآله في غزواته، لا يلازم أن يرى الرجال وجهها أو محاسنها، وليس ثمة أي دليـل على أنها عليها السلام كـانت تتولى بنفسها القيـام بشؤون الحرب، وخروجها على هذا النحو مع النبي صلى الله عليه وآله لا يدل على ما ادعي .
وكذلك الحال بالنسبة لاستقبـال النبي صلى الله عليه وآله للنساء، لا يلازم في ذلك أن يجعل حاجزاً بينه صلى الله عليه وآله وبين كل امرأة تأتيه، ولا أن يجعل لها حجـاباً لتكلمه من وراء الحجاب، إذ يكفي أن تتحفظ هي بما تملكه من وسـائل الستر، وتكلمه وهي مكتملة الحجاب، فإن الكلام مع شخص لا يلازم شيئاً مما نهي عنه من التزين والتبرج، أو الخضوع بالقول .
ثانياً:-إنها حينما خطبت عليها السلام في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم قد نيطت دونها ملاءة كما تذكر النصوص(1).
ثالثاً :- إن موضوع رجحان عدم رؤية الرجال لها، وعدم رؤيتها لهم، لا ينحصر ثبوته بالحديث المذكور(2)، فهناك أحاديث ونصوص أخرى تثبت ذلك }(3) ، ثم ذكر السيد مجموعة من الأحاديث، وقد ذكرنا بعضاً منها .
3) في خبر زفـاف فاطمة الزهراء عليها السلام " فكـان مما اشتروه: قميص بسبعة دراهم، وخماراً بأربعة دراهم، وقطيفة سوداء خيبرية، وعباءة قطوانية ، و .. و.. ، "(1).
فترى أن الخمار والعباءة كانا ضمن جهـاز الزهراء عليها السلام، ولم يكن فيه إلا اللوازم الأساسية، والمقصود بالخمـار هو غطاء الوجه كما قاله الشيخ إبراهيم نجل العلامة الأميني(2).
والقطيفة هي الثوب الذي يكون فوق الشعار،أي تلتف به على ثيابها، والشعار هو الجسد .
إذاً ، ومن هنا …فإن على كل امرأة في العالم أن تتخذ هذه السيدة العظيمة قدوة لها في الحياة، وتسير بنورها الزاهر، وتسير على هديها في طريق السعادة والفلاح .
إن السيدة الزهراء عليها السلام مثـال كل فضيلة، ونموذج كل خير، سعدت كل امرأة اقتدت بها، وشقت كل امرأة تركتها واقتدت بغيرها .
لقد كانت هذه السيدة العظيمة قمة في الحجـاب والعفة والطهارة، لا تخرج من البيت إلا والعباءة تستر جميع بدنها الشريف من الرأس إلى القدم،…كانت تذم التبرج بكشف الوجه والسفور، أشد الـذم ، وما ذاك إلا لأن الله تعالى ذكره، يذم ذلك ويكرهه، ولأن ذلك مفتاح كل رذيلة، وطريق للفجـور، ومقدمة للسقوط، بل هو السقوط بعينه(1).
نسألكم الدعاء يا اخوني
الشبهة الرابعة :- القـول بجواز كشف الوجه لادعائهم الباطل بأن الزهراء سلام الله عليها أول من تنقبت !!
لقد تعرض هؤلاء إلى مقـام الصديقة الطاهرة الزهراء عليها السلام، فقالوا أنها أول من تنقبت !!، ويعضدون ذلك بأقوال لا تصمد أمام الدليل والنقد !! .
إن الإنسان المؤمن بغيرته الإيمانية على السيدة الزهراء ، ينفي هذا التصور القبيح في حقها عليها السلام .
إن مقام الزهراء سلام الله عليها أعلى وأجل من أن ينظر إليها أجنبي، ويؤيد ذلك أن سيرة المسلمات كانت بلزوم الحجاب بستر الوجه_على خلاف مدعاهم_، ولم تكن عليها السلام خارجة عن نطاقهن، بل هي ربيبة الرسالة، وستعرف ذلك في تفسير الآيات لاحقاً، إضافة إلى هذا، فإن هناك جملة من الروايات الشريفة، تؤكد بأن الزهراء سلام الله عليها كانت ملتزمة بستـر الوجه لأبعد الحدود، واليك بعضها:-
1_ (… نقل أبو نعيم الأصفهاني عن رسول الله صلى الله عليه وآلهأنه قال لجمع من الحاضرين:ما خير النساء؟. فلم يدرِ الحاضرون ما يقولون، فسار علي u إلى فاطمة فأخبرها بذلك. فقالت: فهلا قلت له: خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يرونهن . فرجع علي u فأخبره بذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من علمَك هذا ؟ قال : فاطمة "عليها السلام" ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله إنها بضعة مني ) (1).
لا يخفى على من له أدنى معرفة من أن الإمام علي u يعلم الجواب ، كيف لا !وهو باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن سكوته عن الجواب كان لبيان مقام فاطمةعليها السلام، حتى تقتدي النساء بها، وجواب الصديقة الطاهرة إنما هو تفسير للآية المباركة بصورة مختصرة، وقد قرر الفقهاء ذلك في أحكام نظر الرجـل للمرأة و العكس ، وكذلك في أحكام ستر المرأة .
2_ من أحداث الخطبة الفاطمية القاصعة في المسجد النبوي الشريف أنها(…لاثت خمارها، ثم أقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها، تطأ أذيالها ما تخرم مشية رسول الله صلى الله عليه وآله)،وفي لفظة أخرى (……لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابهـا وأقبلت في لمة من …)(2).
واليك أقوال العلماء في شرح هذه المقاطع :
القول الأول: للمولى محمد علي الأنصاري{لاثت خمارها، أي عصبته، يقال : لاث العمـامة على رأسه يلوثها لوثاً، أي شدها وربطها، والخمار _بالكسر_ المقنعة، سميت بذلك لأن الرأس يخمَّر بها أي يغطى، وكل شيء غطيته فقد خمرته، والتخمير هو التغطية . والجلباب_بالكسر_ يُطلـق على الملحفة والرداء والازار،والثوب الواسع للمرأة دون الملحفة، والثوب كالمقنعة وهو ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها ويبقى منه ما ترسله على صدرها، ومعنى " يدنين عليهن من جلابيبهن " أي يرخينها عليهن، ويغطين به وجوههن وأعطافهن . "واشتملت" الاشتمال على الشيء الاحاطة به ، والمـراد أنها عليها السلام غطت راسها وصدرها أولا بالمقنعة، ثم لبست ملحفة تغطي جميع بدنها، فالتفت بها، وهذا كناية عن غاية التستر وهي عادة النساء الخفرات،(الخَفَرُ_ بالتحريك_ شدة الحياء)، إذا اردن الخـروج من الدار إلى الخارج تحفظاً عن الأجانبة.و"اللمة"الجماعة والمراد أنها عليها السلام خرجت في لمة من نسائها تتوطأ ذيلها. و" الحفدة" _بالتحريك_ الأعوان والخدم وقيل ولد الولد أيضاً، والمراد هنا الأول. والاتيان بلفظ "في" في قوله " وأقبلت في لمة من حفدتها" دون أن يقول " مع لمة " اشارة إلى أنها كانت بينهن وهن مجتمعات حولها، محيطات بها، و"تطأ ذيولها" أي كانت أثوابها طويلة تستر قدميها، وتضع عند المشي قدمها عليها. وجمع الذيل باعتبار الأجزاء، أو تعدد الأطراف الأربعة، وفي نسخة أخرى " تجر أدرعها" ودرع المرأة قميصها، وجـرَّ الأدرع كناية عن كون أذيال قميصها طويلة ملاصقة للأرض }(1).
القول الثاني: {لاثت أي شدت ولفت،وخمارها:ثوب يغطى به الرأس. واشتملت: وهو ما يدار على الجسد كله بحيث لا يخرج منه شيئ . وجلبابها: الجلبـاب هو ما يستر جميع البـدن كالملحفة }(1).
القول الثالث: {اللوث هو الطي، ولاثت خمارها لفته، والخمار المقنعة، واشتملت" جعلته شاملاً، والجلباب الرداء والازار أي جعلت الازار أو الرداء شاملاً لجسدهـا حتى وصفتها الرواية بأنها تطأ ذيولها أي أن أثوابها كانت طويلة تستر قدمها الشريف فكانت تطأها عند المشي }(2).
القول الرابع :يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي {…… فإن ستارًا قد أسدل ليحجب النساء، ثم إنها كانت تتوسط جمع النساء اللاتي رافقنها، مرتدية عباءة غطت جميع أجزاء جسدها الشريف بشكل لا يمكن تشخيصها أو تمييزها ، ثم ألقت خطبتها من وراء الستر }(3).
القول الخامس: قال الشيـخ عباس القمي {……لاثت خمارها أي لفته، والجلباب هو الرداء والإزار }(4).
ويظهر مما تقدم ، بعض من الفوائد وهي : -
الفائدة الأولى :- أن فاطمة الزهراء عليها السلام كانت محجبة بستر الوجه،ونعرف ذلك من "لاثت خمارها"،وقد عرفت أن الخمار هو المقنعة والتي تغطي رأسها إلى صدرها، وهذا يعني أن الوجه مستور، إضافة إلى هذا"واشتملت بجلبابها" أي ولفت عليها رداء،وهي العباءة التي تكون فوق الخمار، أو ما تسمى بـ"البوشية".
الفائدة الثانية :- أن رداء الزهراء عليها السلام وعباءتها، كانا طويلين جداً لدرجة أنها عليها السلام تطأ ( أي تدوس ) على الزائد منها .
الفائدة الثالثة :- أن تلك العباءة قد غطت جميع أجزاء بدنها الشريف، بحيث لا يمكن تشخيصها، وهذا يدلل على أن العبادة واسعة "أي فضفاضة"، وغير مجسمة كما هي العباءة المغربية المحرمة أو ما تعرف بـ" الكتافي أو الكاب".
الفائدة الرابعة:- أن الزهراء عليها السلام قدمت إلى المسجد في جماعة من النساء،حتى لا يمكن تمييز شخصها،ولا يعرفها الأجنبي، ولا يطلع على قامة الزهراء عليها السلام، هل هي طويلة أم قصيرة، أم …،أم …، وبهذا تختلط الزهراء مع النساء، ولا يعرف مكانها، فضلاً عن شخصها المقدس .
فقولهم " أنها أول من تنقبت" باطل، فهيعليها السلام حريصة على أن لا يُعرف شخصها، فكيف يمكن التصديق بأنها أبدت عينيها أو جزءاً من بدنها الشريف ؟!، بل إن أول من ابتدعت النقاب هي آكلة الأكباد هند بنت عتبة، فراجع التاريخ الصحيح .
وأما عن هذا القول بأن الزهراء سلام الله عليهاهي أول من تنقبت!!! .
فنقول في رد هذه المزاعم : إضافة لما ذكرناه سابقاً، وأن ذلك ينفي أن تكون الزهـراء عليها السلام متنقبة، وأنها أشرف من أن تُظهـر شخصها الشريف، أو أن تخالف الشرع المقدس لما عرفت من سيرة المسلمات، وحرمة كشف الوجه ولو جزءاً منه، كما عرفت ذلك، ولا فرق بين النقاب أو البرقع في الحرمة،نعم هناك فرق في وصفهما، فالنقاب عبارة عن قناع يستر وجهة المرأة إلا عينيها، أما البرقع فهو عبارة عن ستر المرأة للنصف الأسفل من وجهها من أنفها إلى نحرها، وتنكشف العينان والجبهة(1). ونقول إن أول من تنقبت هي هند بنت عتبة، ولدينا ما يثبت ادعائنا .
فنرد على ذلك، بذكر بعض ما نقله العلماء من روايات شريفة، تؤكد بطلان ما ذهبوا إليه في مقام أشرف نساء العالمين، فنقول وبالله التوفيق :-
منها ما رواه الشيخ المجلسي "أعلى الله مقامه" ( ……… أن النبي صلى الله عليه وآله بايعهن(2)، وكان على الصفا، وكان عمر أسفل منه، وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً من أن يعرفها رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال:أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً، فقالت هند: إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأينـاك أخذته على الرجـال، وذلك أنه بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجـهاد …إلخ )(1).
ومنها ما رواه ابن أبي الحديـد ( ………أن هند بنت عتبة جاءت رسول الله صلى الله عليه وآله مع نساء قريش متنكرة متنقبة لحدثها الذي كان في الإسلام، وما صنعت بحمزة حين جدعته وبقرت بطنه عن كبده، فهي تخاف أن يأخذها رسول الله صلى الله عليه وآله بحدثها ذلك فلما دنت منه، وقال حين بايعنه على ألا يشركن بالله …………إلخ )(2).
ومنها ما ذكره الشهيـد المطهري نقلاً عن "ويل ديورانت" في قصة الحضارة : ( …… وأخذن (3)بعد عام 715هـ يغطين بالنقاب وجههن أسفل عيونهن، وازداد انتشار هذه العادة تدريجياً بعد ذلك العام )(4).
لكن القول الذي أشرنا اليه بأن هند هي أول من تنقبت هو الأصح .
ومنها مارواه المفسرون حول آية { يـا أيـها النبي إذا جائك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ..}(5).
فقد جاء في تفسير هذه الآية (..... وروي أنه صلى الله عليه وآله بايعهن على الصفا، وكان عمر أسفل منه وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً من أن يعرفها رسول الله صلى الله عليه وآله.....) (1).
ومنها ما رواه الشيخ السبحاني ( وقد تلا رسول الله صلى الله عليه وآله ما نزل من قوله تعالى من شروط البيعة عليهن، فلما بلغ إلى قوله تعالى { ولا يسرقـن } نهضت هند_ وكانت آنذاك متنقبة متنكر، وقالت..)(2).
ولقد بحثنا جاهدين_ويشهد الله_في ما بأيدينا من كتب، علنا نظفر برواية واحدة تتحدث أن الزهراء قد تنقبت فضلاً عن أنها أول من تنقبت، فلم نظفر بشيء من ذلك، بل على العكس، رأينا أن هناك الكثير من الروايات التي تصرح بـ "ابتداع" آكلة الأكباد لما يعرف بالتنقب.
وهناك عدة اشكالات قد يوردها البعض في مقـام الصديقة الطاهرة عليها السلام :-
منها:أن فاطمة عليها السلام سيدة النساء، وبنت خير الأنبياء، وزوجة سيد الأوصياء، وهي المخدرة العظمى، ومحل العصمة الكبرى، فكيف يصح لشأنها في شرع أبيها خروجها من خدرها،وتدخل المسجد الغاص بالمهاجرين والأنصار، وهـم أجانبة عنها، تسمعهـم صوتها، وتتكلم معهم، ويتكلمون معها ؟ وكيف رضي أمير المؤمنين u بذلك منها؟ مع أنه كان بإمكانه أن يقوم بدورها بالوكالة عنها حتى لا يسمع الأجانبة كلامها .
وقد أجاب عن هذا الاشكال المولى محمد علي الأنصاري (قده) بقوله: " إن الضـرورات تبيح المحذورات، وأنهم عليهم السلام لم يكونوا مكلفين إلا بالعمل على طبق الصورة الظاهرية والاتصاف بلوازم البشر …" (1).
ونقل (قده) عن الفاضل البهبهاني : أن أخبار تكلم فاطمة عليها السلام في فدك في حضور الصحابة متواتر البتة، وكـانت عليها السلام أعلم من غيرها بالأحكام الشرعية، ولعله من باب الضرورة التي يجوز لأجلهم تكلم النساء مع الرجال باجماع الأمة .
{وأما تكلمها مع سلمان وجـابر وسائر الصحابة، فلم يتحقق لنا، وبعض النظرات الواقعة منهم ومنها، لعله من باب الاتفاقات الضرورية، وأن الأحكام بالنسبة إلى الأعصـار مختلفة، ولعله لم ينزل في تلك الأوقات آية الحجاب ونحوه، وعلى نحوه يحمل ما ورد أن النبي صلى الله عليه وآله سمع صوت جماعة من النساء في ليلة زفاف فاطمة علها السلام على فرض إن كانت فيهن من لم تكن محرماً بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وكذلك خروج النساء يوم الطف من باب الضرورة} (1) .
ومنها :- أنها عليها السلام كانت تلتقي بالرجال وتتحدث معهم في مناسبات كثيرة، وكانت عليها السلام تخرج مع من يخرجن مع النبي صلى الله عليه وآله في غزواته ليقمن بشؤون الحرب . وكان النبي صلى الله عليه وآله يستقبل النساء، ولو صح أنه خير للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يرونها، لكان ينبغي أن يجعل صلى الله عليه وآله حاجزاً بينه وبين كل امرأة تأتيه، ويقول لهـا: تكلمي من وراء حجاب .
وفي رد هذا الإشكال، ننقل ما سطره السيد جعفر مرتضى العاملي :-
{ أولاً :- إن التقاءهـا عليها السلام بالرجال في أيام الأزمة التي واجهتها…، لا يعني أنها قد كشفت عن وجهها للناظرين، وحديثها معهم قد يكون من وراء الحجاب(2)، أو في حالة لا تريهم فيها وجهها.وليس المقصود من عدم رؤيتها للرجال، وعدم رويتهم لها : أن لا ترى ولا يرى كل منهم حجم وشكل الطرف الآخر .
كما أن خروجها مع النبي صلى الله عليه وآله في غزواته، لا يلازم أن يرى الرجال وجهها أو محاسنها، وليس ثمة أي دليـل على أنها عليها السلام كـانت تتولى بنفسها القيـام بشؤون الحرب، وخروجها على هذا النحو مع النبي صلى الله عليه وآله لا يدل على ما ادعي .
وكذلك الحال بالنسبة لاستقبـال النبي صلى الله عليه وآله للنساء، لا يلازم في ذلك أن يجعل حاجزاً بينه صلى الله عليه وآله وبين كل امرأة تأتيه، ولا أن يجعل لها حجـاباً لتكلمه من وراء الحجاب، إذ يكفي أن تتحفظ هي بما تملكه من وسـائل الستر، وتكلمه وهي مكتملة الحجاب، فإن الكلام مع شخص لا يلازم شيئاً مما نهي عنه من التزين والتبرج، أو الخضوع بالقول .
ثانياً:-إنها حينما خطبت عليها السلام في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم قد نيطت دونها ملاءة كما تذكر النصوص(1).
ثالثاً :- إن موضوع رجحان عدم رؤية الرجال لها، وعدم رؤيتها لهم، لا ينحصر ثبوته بالحديث المذكور(2)، فهناك أحاديث ونصوص أخرى تثبت ذلك }(3) ، ثم ذكر السيد مجموعة من الأحاديث، وقد ذكرنا بعضاً منها .
3) في خبر زفـاف فاطمة الزهراء عليها السلام " فكـان مما اشتروه: قميص بسبعة دراهم، وخماراً بأربعة دراهم، وقطيفة سوداء خيبرية، وعباءة قطوانية ، و .. و.. ، "(1).
فترى أن الخمار والعباءة كانا ضمن جهـاز الزهراء عليها السلام، ولم يكن فيه إلا اللوازم الأساسية، والمقصود بالخمـار هو غطاء الوجه كما قاله الشيخ إبراهيم نجل العلامة الأميني(2).
والقطيفة هي الثوب الذي يكون فوق الشعار،أي تلتف به على ثيابها، والشعار هو الجسد .
إذاً ، ومن هنا …فإن على كل امرأة في العالم أن تتخذ هذه السيدة العظيمة قدوة لها في الحياة، وتسير بنورها الزاهر، وتسير على هديها في طريق السعادة والفلاح .
إن السيدة الزهراء عليها السلام مثـال كل فضيلة، ونموذج كل خير، سعدت كل امرأة اقتدت بها، وشقت كل امرأة تركتها واقتدت بغيرها .
لقد كانت هذه السيدة العظيمة قمة في الحجـاب والعفة والطهارة، لا تخرج من البيت إلا والعباءة تستر جميع بدنها الشريف من الرأس إلى القدم،…كانت تذم التبرج بكشف الوجه والسفور، أشد الـذم ، وما ذاك إلا لأن الله تعالى ذكره، يذم ذلك ويكرهه، ولأن ذلك مفتاح كل رذيلة، وطريق للفجـور، ومقدمة للسقوط، بل هو السقوط بعينه(1).
نسألكم الدعاء يا اخوني