اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعجل فرجهم
نقد وتقويم
مع ملاحظة المجال المحدود والضيق للمعرفة الحسية والتجريبية حيث تتحدد هذه المعرفة في نطاق الظواهر المادية والطبيعية، يتضح لنا: أننا لا يمكننا معرفة اصول الرؤية الكونية ومعالجة المسائل المتعلقة بها، اعتمادا على معطيات العلوم التجريبية فحسب. وذلك لأن أمثال هذه المسائل خارجة عن ميدان العلوم التجريبية واختصاصها، ولا يحق لأي علم تجريبي أن يتحدث عن هذه المسائل نفيا أو إثباتا، فمثلا لا يمكن لنا أن نثبت أو ننفي وجود الله تعالى من خلال تجارب المختبرات (نستغفر الله) وذلك لأن يد التجربة الحسية أقصر من أن تمتد إلى ماوراء الطبيعة، لتثبت أو تنفي شيئا خارجا عن نطاق الظواهر المادية.
ومن هنا فالرؤية الكونية العلمية والتجريبية (بالمعنى المصطلح للرؤية الكونية الذي ذكرناه سابقا) ليست إلا سرابا خادعا، ولا يمكن أن يطلق عليها مصطلح الرؤية الكونية بمعناها الصحيح، ويمكن أن نسميها - على أبعد الفروض - "معرفة العالم المادي" ومثل هذه المعرفة لا يمكن لها أن تقدم الحلول الصائبة للمسائل الاساسية للرؤية الكونية.
أما المعارف والمدركات التي يتوصل اليها من الطريق التعبدي، فكما ذكرنا سابقا أن دورها ثانوي متفرع عن الإثبات المسبق لاعتبار المصدر أو المصادر التي تصدر منها هذه المعرفة، أي لابد أن نثبت أولا نبوة النبي، لتكون رسالته وأحاديثه معتبرة. وقبل ذلك يجب إثبات وجود المرسل "أي الله تعالى"، ومن الواضح أنه لا يمكن أن نثبت من حديث الرسول نفسه، وجود المرسل ونبوة الرسول ذاته. فمثلا لا يمكن لنا أن نقول: بما أن القرآن الكريم يصرح بن الله موجود، اذن فيثبت وجوده! أجل، بعد أن نثبت وجود الله، ونثبت نبوة نبي الاسلام، ونتعرف عليه، وأن القرآن الكريم على حق، بعد ذلك كله يمكن لنا أن نتقبل سائر المعتقدات الفرعية، والتعاليم العملية، استنادا الى (المخبر الصادق) و (المصدر المعتبر). وأما المسائل الأساسية فلا بمن إثباتها مسبقا من طريق آخر. إذن فالطريق التعبدي ليس فاعلا في علاج المسائل الأساسية للروية الكونية.
وأما الطريق العرفاني والإشراقي فالحديث عنه طويل:
أولا: إن الرؤية الكونية معرفة تتألف من مفاهيم ذهنية، ولكن في عالم الشهود ليس هناك اي مجال للمفاهيم الذهنية، إذن فإسناد هذه المفاهيم الى الشهود، فيه نوع من المسامحة التي لو حظ فيها منشأ هذه المفاهيم.
ثانيا: إن تفسير المشاهدات والمكاشفات وعرضها من خلال الألفاظ والمفاهيم، يحتاج إلى قدرة ذهنية معينة، لا يمكن حصولها إلا بخلفية طويلة من الجهود العقلية والبحوث الفلسفية، وأولئك الذين لا يملكون هذه القدرة الذهنية يستخدمون ألفاظ وتعابير ومفاهيم متشابهة، تكاد تكون عاملا خطيرا في الانحراف والضياع والضلال.
ثالثا: في الكثير من الحالات، ربما يشتبه الشهود الحقيقي بالتصورات الخيالية وتفسير الذهن لهذا الشهود، وربما يعرض هذا الخلط والاشتباه حتى على المشاهد نفسه.
رابعا: لا يمكن التوصل للحقائق التي يعبر عن تفسيرها الذهني بـ "الرؤية الكونية" إلا بعد سنوات طويلة من السير والسلوك العرفاني، ولكن إيمان الإنسان بطريقة السير والسلوك التي تعتبر من قبيل المعارف العملية، يتوقف في تكونه، على الأسس النظرية والمسائل الأساسية للرؤية الكونية، إذن فقبل البدء في ممارسة السير والسلوك، لابد من معالجة هذه المسائل، مع أن المعرفة الشهودية إنما تحصل في نهايات هذا السير والسلوك، وفي الواقع إن العرفان الحقيقي إنما يحصل للشخص الذي سعى جاهدا ومخلصا في طريق عبودية الله تعالى، ومثل هذا السعي والسلوك متوقف على المعرفة المسبقة لله تعالى، ولطريق عبوديته وطاعته
نسألكم الدعاء
نقد وتقويم
مع ملاحظة المجال المحدود والضيق للمعرفة الحسية والتجريبية حيث تتحدد هذه المعرفة في نطاق الظواهر المادية والطبيعية، يتضح لنا: أننا لا يمكننا معرفة اصول الرؤية الكونية ومعالجة المسائل المتعلقة بها، اعتمادا على معطيات العلوم التجريبية فحسب. وذلك لأن أمثال هذه المسائل خارجة عن ميدان العلوم التجريبية واختصاصها، ولا يحق لأي علم تجريبي أن يتحدث عن هذه المسائل نفيا أو إثباتا، فمثلا لا يمكن لنا أن نثبت أو ننفي وجود الله تعالى من خلال تجارب المختبرات (نستغفر الله) وذلك لأن يد التجربة الحسية أقصر من أن تمتد إلى ماوراء الطبيعة، لتثبت أو تنفي شيئا خارجا عن نطاق الظواهر المادية.
ومن هنا فالرؤية الكونية العلمية والتجريبية (بالمعنى المصطلح للرؤية الكونية الذي ذكرناه سابقا) ليست إلا سرابا خادعا، ولا يمكن أن يطلق عليها مصطلح الرؤية الكونية بمعناها الصحيح، ويمكن أن نسميها - على أبعد الفروض - "معرفة العالم المادي" ومثل هذه المعرفة لا يمكن لها أن تقدم الحلول الصائبة للمسائل الاساسية للرؤية الكونية.
أما المعارف والمدركات التي يتوصل اليها من الطريق التعبدي، فكما ذكرنا سابقا أن دورها ثانوي متفرع عن الإثبات المسبق لاعتبار المصدر أو المصادر التي تصدر منها هذه المعرفة، أي لابد أن نثبت أولا نبوة النبي، لتكون رسالته وأحاديثه معتبرة. وقبل ذلك يجب إثبات وجود المرسل "أي الله تعالى"، ومن الواضح أنه لا يمكن أن نثبت من حديث الرسول نفسه، وجود المرسل ونبوة الرسول ذاته. فمثلا لا يمكن لنا أن نقول: بما أن القرآن الكريم يصرح بن الله موجود، اذن فيثبت وجوده! أجل، بعد أن نثبت وجود الله، ونثبت نبوة نبي الاسلام، ونتعرف عليه، وأن القرآن الكريم على حق، بعد ذلك كله يمكن لنا أن نتقبل سائر المعتقدات الفرعية، والتعاليم العملية، استنادا الى (المخبر الصادق) و (المصدر المعتبر). وأما المسائل الأساسية فلا بمن إثباتها مسبقا من طريق آخر. إذن فالطريق التعبدي ليس فاعلا في علاج المسائل الأساسية للروية الكونية.
وأما الطريق العرفاني والإشراقي فالحديث عنه طويل:
أولا: إن الرؤية الكونية معرفة تتألف من مفاهيم ذهنية، ولكن في عالم الشهود ليس هناك اي مجال للمفاهيم الذهنية، إذن فإسناد هذه المفاهيم الى الشهود، فيه نوع من المسامحة التي لو حظ فيها منشأ هذه المفاهيم.
ثانيا: إن تفسير المشاهدات والمكاشفات وعرضها من خلال الألفاظ والمفاهيم، يحتاج إلى قدرة ذهنية معينة، لا يمكن حصولها إلا بخلفية طويلة من الجهود العقلية والبحوث الفلسفية، وأولئك الذين لا يملكون هذه القدرة الذهنية يستخدمون ألفاظ وتعابير ومفاهيم متشابهة، تكاد تكون عاملا خطيرا في الانحراف والضياع والضلال.
ثالثا: في الكثير من الحالات، ربما يشتبه الشهود الحقيقي بالتصورات الخيالية وتفسير الذهن لهذا الشهود، وربما يعرض هذا الخلط والاشتباه حتى على المشاهد نفسه.
رابعا: لا يمكن التوصل للحقائق التي يعبر عن تفسيرها الذهني بـ "الرؤية الكونية" إلا بعد سنوات طويلة من السير والسلوك العرفاني، ولكن إيمان الإنسان بطريقة السير والسلوك التي تعتبر من قبيل المعارف العملية، يتوقف في تكونه، على الأسس النظرية والمسائل الأساسية للرؤية الكونية، إذن فقبل البدء في ممارسة السير والسلوك، لابد من معالجة هذه المسائل، مع أن المعرفة الشهودية إنما تحصل في نهايات هذا السير والسلوك، وفي الواقع إن العرفان الحقيقي إنما يحصل للشخص الذي سعى جاهدا ومخلصا في طريق عبودية الله تعالى، ومثل هذا السعي والسلوك متوقف على المعرفة المسبقة لله تعالى، ولطريق عبوديته وطاعته
نسألكم الدعاء