* سؤال: ما دام قد صعبتم على أنفسكم في مسألة الدليل على الإمامة بلزوم كونه قطعيا في سنده ودلالته، فهل يمكن إيراد ذلك الدليل القطعي؟
الجواب: سأصعب على نفسي أكثر!! فإن هناك مجموعة من العوامل والمؤثرات التي كانت تزيد الأمر صعوبة، وتضغط في اتجاه معاكس للقول بإمامة الإمام علي عليه السلام، فعلي بن أبي طالب كان مبغوضا من قبل الكثيرين بما فيهم بعض الصحابة بما يشكل ظاهرة مشهودة، ولاتجد صحابيا ورد في الروايات عن كثرة مبغضيه حتى من الصحابة ما تجده في علي بن أبي طالب (ع)، ونحن لانريد أن نبحث عن الأسباب الكامنة وراء ذلك الحسد والبغض، ولكن من الطبيعي أن من يبغض لا يحصل أي تعاطف معه ويضيع حقه.
* بغض علي في حياة النبي (ص)
بعض الصحابة كانوا يبغضون عليا (ع) أو كانوا يتضايقون من تفضيل علي (ع) على غيره، وسأذكر بعض الأمثلة مما حصل في حياة النبي (ص):
المثال الأول:
روى البزار بسنده عن النعمان بن بشير قال: اسـتأذن أبو بكر على النبي (ص) فسمع صوت عائشة وهي تقول: لقد علمت أن عليا أحب إليك من أبي مرتين أو ثلاثا، قال : فاستأذن أبو بكر فأهوى إليها فقال: يا بنت فلانة لا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله (ص).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص127: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
وهنا تعليقة مهمة للهيثمي يقول فيها: رواه أبو داود غير ذكر محبة علي رضي الله عنه.
فقد روى أبو داود في سننه ج2 ص477 بسنده عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النبي (ص) فسمع صوت عائشة عاليا، فلم دخل تناولها ليلطمها ... "، أي من دون الإشارة إلى سبب ارتفاع صوت عائشة، وهذا نوع من التحريف بعدم ذكر مقطع مهم جدا في الرواية ويبين أن زوجة النبي (ص) كانت تتضايق من تفضيل النبي (ع) عليا - وبإقرارها- على أبيها.
المثال الثاني:
روى أحمد في مسنده عن بريدة بن الحصيب قال: أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا قط، قال: وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص127: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير عبد الجليل بن عطية وهو ثقة وقد صرح بالسماع.
المثال الثالث:
روى أبو يعلى الموصلي بسنده عن سعد بن أبي وقاص قال:
"كنت جالسا في المسجد أنا ورجلين معي، فنلنا من علي، فأقبل رسول الله (ص) غضبان يعرف في وجهه الغضب فتعوذت بالله من غضبه، فقال: مالكم ومالي، من آذى عليا فقد آذاني".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص129: "رواه أبو يعلى ... ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير محمود بن خداش وقنان وهما ثقتان".
المثال الرابع:
روى الحاكم في المستدرك ج3 ص122 بسنده عن عمرو بن شأس قال: قال لي رسول الله (ص): قد آذيتني، قلت: يا رسول الله (ص): ما أحب أن أؤذيك، قال: من آذى عليا فقد آذاني.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص.
وكذلك اعترف محققا كتاب موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ج7 ص132 بأن إسناده جيد.
(موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان – علي بن أبي بكر الهيثمي المتوفى سنة 807هـ - تحقيق: حسين سليم الداراني وعبده علي كوشك – دار الثقافة العربية – دمشق – الطبعة الأولى 1993م 1413هـ)
* بغض علي بعد وفاة النبي (ص):
سؤال: وهل انقطع هذا البغض بحياة النبي (ص) وأصلحت الأمور بعد أن حذر النبي (ص) من بغض علي (ع) وإيذائه؟
الجواب: كلا، فقد استمرت هذه الحالة كظاهرة بعد وفاة النبي (ص) سواء من قبل بعض الصحابة أو غيرهم، ومن الأمثلة على تفشي تلك الحالة بعد وفاة رسول الله:
المثال الأول:
روى الحاكم بسنده عن عمرو بن ميمون قال:
إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط (وكلمة رهط في اللغة تعني العدد الذي يكون من الثلاثة إلى العشرة وليس فيهم امرأة، ولكن إذا أضيف إلى الرهط عدد كما هنا حيث قال تسعة رهط فالمراد به الشخص، أي تسعة أشخاص) فقالوا: يا بن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء، قال: فقال ابن عباس: بل أنا أقوم معكم، قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، قال: فابتدؤوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف، وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره ...الخ".
قال الحاكم في المستدرك ج3 ص143 ح4652/250: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: صحيح.
المثال الثاني:
روى أحمد في مسنده عن أبي عبد الله الجذلي (الجدلي) قال: دخلت على أم سلمة فقالت: أيسب رسول الله فيكم؟ فقلت: سبحان الله أو معاذ الله، قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: من سب عليا فقد سبني.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص130:
رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبد الله الجدلي وهو ثقة.
ورواه النسائي في السنن الكبرى ج5 ص133 ح8476، وقال محققا الكتاب عبد الغفار البنداري وسيد كسروي حسن في الهامش: رجاله ثقات.
(السنن الكبرى – أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي – تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن – دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى – 1991م 1411هـ)
ورواه الطبراني وأبو يعلى بسندهما عن أبي عبد الله الجدلي بصيغة أخرى مقاربة قال:
دخلت على أم سلمة فقالت لي: أيسب رسول الله (ص) فيكم؟ قلت: أنى يسب رسول الله (ص)؟ قالت: أليس يسب علي ومن يحبه، وقد كان رسول الله (ص) يحبه.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص130: رواه الطبراني في الثلاثة وأبو يعلى، ورجال الطبراني رجال الصحيح غير أبي عبد الله الجدلي وهو ثقة.
ونلاحظ في هذا الحديث أن السب لم يختص بالإمام علي (ع) فقط بل شمل محبيه أيضا.
المثال الثالث:
روى النسائي في السنن الكبرى ج5 ص133 ح8477 بسنده عن خالد بن عرفطة قال:
رأيت سعد بن مالك (بن أبي وقاص) بالمدينة فقال: ذكر أنكم تسبون عليا؟! قلت: قد فعلنا، قال: لعلك سببته؟! قلت: معاذ الله، قال: لا تسبه فإن وضع المنشار على مفرقي على أن أسب عليا ما سببته بعدما سمعت من رسول الله (ص) ما سمعت.
قال محققا الكتاب عبد الغفار البنداري وسيد كسروي حسن في الهامش: رجاله ثقات سوى أبي بكر بن خالد مقبول.
ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، وقال الهيثمي عن سنده: رواه أبو يعلى وإسناده حسن. (مجمع الزوائد ج9 ص130)
المثال الرابع:
روى الحاكم النيشابوري بسنده عن زياد بن علاقة، عن عمه أن المغيرة بن شعبة (أثناء فترة ولايته على الكوفة من قبل معاوية) سب علي بن أبي طالب فقام إليه زيد بن أرقم، فقال: يا مغيرة، ألم تعلم أن رسول الله (ص) نهى عن سب الأموات فلم تسب عليا وقد مات.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وتعقبه الذهبي في التلخيص قائلا: على شرط مسلم. (المستدرك ج1 ص514 ح1419)
المثال الخامس:
روى أحمد في فضائل الصحابة بسنده عن شداد أبي عمار قال: دخلت على واثلة بن الأسقع (الصحابي) وعنده قوم، فذكروا عليا فشتموه وفشتمته معهم، فلما قاموا قال لي: لم شتمت هذا الرجل؟ (أي أن هذا الصحابي لم يجرأ أو لم يكن قادرا على منع السب فخاطب شدادا بعد خروج القوم)
قلت: رأيت القوم شتموه فشتمته معهم!!
فقال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله (ص)؟ فقلت: بلى؟ فقال: أتيت فاطمة أسألها عن علي، فقالت: توجه إلى رسول الله، فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله (ص) ومعه علي وحسن وحسين، آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة، فأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه أو قال: كساء، ثم تلا هذه الآية: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق.
قال محقق الكتاب وصي الله بن محمد عباس: وإسناده حسن. (فضائل الصحابة ص577 ح978، الطبعة الأولى 1413هـ - 1983م – جامعة أم القرى – مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي – كلية الشريعة والدراسات الإسلامية – مكة المكرمة)
المثال السادس:
روى أحمد في فضائل الصحابة بسنده عن قرة قال: سمعت أبا رجاء يقول: لا تسبوا عليا ولا أهل هذا البيت، إن جارا لنا من بني الجهم قدم من الكوفة فقال: ألم تروا هذا الفاسق ابن الفاسق؟! إن الله قتله، يعني الحسين (ع)، قال: فرماه الله بكوكبين في عينه فطمس الله بصره.
قال محقق الكتاب وصي الله بن محمد عباس: وإسناده صحيح. (فضائل الصحابة ص574 ح972)
* أثر ظاهرة سب الإمام علي (ع) وأصحابه
ظاهرة إظهار البغض لعلي (ع) وكل من يحب عليا عبر سبه وسبهم والمضايقة على شيعته بالتنكيل سرت في المجتمع الإسلامي وخاصة في عهد بني أمية حيث سن لعن أمير المؤمنين (ع) على المنابر، ومن الواضح أن السلطة أي سلطة كانت عندما تسخر أجهزتها الإعلامية والتنفيذية في أمر ما فإن ذلك يترك أثره البالغ على أفراد المجتمع وتوجههم.
بعد ذلك الاختناق وبعد تلك العصور المظلمة جاء وقت التحديث في عهد عمر بن عبد العزيز الذي رفع السب أيضا، وكان منع التحديث وسب الإمام علي (ع) وأصحابه قد آتى أكله، فصنفوا الرواة إلى شيعي ويتشيع من جهة ورافضي من جهة أخرى، وحتى حفاظ أهل السنة وعلمائهم لم يسلموا من آثار ذلك الجو، بل حتى الصحابة الذين يزعمون أنهم عدول كلهم لم يسلموا من هذا التصنيف والآثار المترتبة عليه.
بمعنى آخر لقد قدموا إلى موضوع الإمامة برأي مسبق، فبدلا من أن يضعوا الحديث الذي يرويه الثقة نصب أعينهم فيأخذوه ثم ينظروا في دلالته ومن ثم يحددوا موقفهم، فإنهم على العكس من ذلك اتخذوا موقفهم ممن يتبنى رأيا معينا في تفضيل الإمام علي (ع) وإمامته فلم يرووا عنه، ومن ثم أسقطوا قيمة الرواية التي يرويها، ومن هنا فإن عظمة الاستدلال بفضائل أمير المؤمنين (ع) وأدلة إمامته تعود إلى أنه كيف اخترقت كل تلك الحواجز والموانع ووصلت إلينا في ظل تلك الأجواء الضاغطة والسائرة في اتجاه معاكس،حتى نسب إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي قوله:
"ما أقول في رجل أخفت أولياؤه فضائله خوفا، وأخفت أعداؤه فضائله حسدا، وشاع من بين ذين ما ملأ الخافقين".
* تضعيف الرواة المتهمين بالتشيع والرفض:
وأول خطوة خطوها في هذا الصدد تضعيف الرواة وتصنيفهم إلى شيعي ومتهم بالتشيع ورافضي، ولا أريد القول أن من سأذكرهم لم يوثقهم أحد بل أريد القول أن الحالة السابقة تركت آثارها في الطعن فيهم لأجل معتقدهم وبالتالي تركوا الرواية عنهم، ومن أمثلة التضعيف:
المثال الأول: عبيد الله بن موسى العبسي
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج7 ص48:
وقال ابن سعد: .... وكان يتشيع ويروي أحاديث في التشيع منكرة، وضعف بذلك عند كثير من الناس، وكان صاحب قرآن.
وقال الحاكم: سمعت قاسم بن قاسم السياري، سمعت أبا مسلم البغدادي الحافظ يقول: عبيد الله بن موسى من المتروكين، تركه أحمد لتشيعه، وقد عوتب على روايته عن عبد الرزاق (أي الحافظ الصنعاني صاحب المصنف) فذكر أن عبد الرزاق رجع".
المثال الثاني: عطية بن سعد العوفي.
قال فيه الحافظ الناصبي الجوزجاني: مائل. (أي إلى التشيع) (تهذيب الكمال ج13 ص91)
ونقل ابن حجر عن الساجي قوله: ليس بحجة، كان يقدم عليا. (تهذيب التهذيب ج7 ص202)
المثال الثالث: علي بن غراب
قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: ساقط.
فتعقبه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي بالقول: أظن إبراهيم طعن عليه لأجل مذهبه فإنه كان يتشيع، وأما روايته فقد وصفوه بالصدق.
وقال ابن حبان: حدث بالأشياء الموضوعة فبطل الاحتجاج به، وكان غاليا في التشيع.
* سؤال: وما هو الفرق بين التشيع والرفض؟
الجواب: التشيع بمعنى الاعتقاد ببعض فضائل علي (ع)، واختلفوا في مفهوم الرفض هل هو مجرد تقديم علي (ع) على غيره أم هو الطعن في مخالفي علي (ع) من الصحابة، وما يهمنا فعلا هو أن تلك الحالة السابقة من اللعن والسب والبغض لأمير المؤمنين (ع) في عهد رسول الله (ص) وبعد وفاته وخاصة في العهد الأموي تركت أثرها في تصنيف الرواة وعدم الأخذ عن بعضهم بناء على معتقداتهم لا على وثاقتهم.
* عدم الرواية عن الصحابة القائلين بأحقية علي (ع)
سؤال: هل نستطيع بناء عليه أن نقول أن الإقلال من الرواية عن الصحابة الذين كانوا يؤمنون بأحقية علي في الخلافة كسلمان الفارسي وأبو ذر في كتب المسانيد والصحاح مرجعه إلى موقفهم ذلك؟
الجواب: نعم بالتأكيد، بل أستطيع القول أن بعض الصحابة لم يسلم من ظاهرة عدم الرواية عنه أصلا بحجة التشيع، مع أنهم يقولون أن الصحابة كلهم عدول وأن القول بعدم عدالتهم جميعا يلزم منه محذور عدم وصول سنة النبي (ص) إلينا!!
فالبخاري لم يكن ممن يروي عن الصحابي أبي الطفيل لمذهبه.
جاء في باب الكنى من كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني ج7 ص193:
"قال مسلم: مات سنة مائة، وهو آخر من مات من الصحابة"، وقال ابن حجر: "رأى النبي (ص) وهو شاب وحفظ عنه أحاديث".
(الإصابة في تمييز الصحابة – أحمد بن علي بن حجر العسقلاني – تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض – دار الكتب العلمية – بيروت)
ويقول الحافظ علاء الدين مغلطاي المتوفى سنة 762هـ في كتابه الإنابة في ترجمة أبي الطفيل:
"508: عامر بن واثلة أبو الطفيل الليثي.
ذكره أبو عمر (أي ابن عبد البر القرطبي) في الاستيعاب، ثم قال: وكان ثقة مأمونا.
وقال ابن عدي: له صحبة من رسول الله (ص)، وقد روى عنه قريبا من عشرين حديثا. (الكامل ج5 ص87)
وقال ابن سعد: وكان أبو الطفيل ثقة في الحديث وكان متشيعا. (الطبقات الكبرى ج5 ص457 وج6 ص64)
وفي تاريخ الحاكم (تاريخ دمشق ج6 ص128) سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الأخرم: لم ترك البخاري حديث عامر بن واثلة؟ فقال: لأنه كان يفرط في التشيع.
وعن إبراهيم أنه كان إذا حدث عن أبي الطفيل قال: دعوه، وكان يتقي من حديثه، وقال ابن المديني: قلت لجرير بن عبد الحميد: أكان مغيرة يكره الرواية عن أبي الطفيل؟ قال: نعم". ( الإنابة في معرفة المختلف فيهم من الصحابة ج1 ص321)
أما المقصود من التشيع أو الإفراط في التشيع الذي بسببه تركت الرواية عن الصحابي أبي الطفيل فيبينه ابن عبد البر القرطبي في كتابه الاستيعاب ج4 ص260 حيث يقول:
"وكان متشيعا في علي ويفضله" أي أن مجرد تفضيل علي على غيره من الصحابة موجب لترك روايته عند البخاري.
(الاستيعاب في معرفة الأصحاب – أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي المالكي المتوفى سنة 463هـ - دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى – 1415هـ 1995م)
وبلغ الأمر أن الإمام علي (ع) لم يعد حتى من الخلفاء، فقد روى أبو داود في سننه ح4646 أن سعيد بن وهب قال لسفينة (مولى رسول الله (ص) وكان قد اعتقه): إن هؤلاء يزعمون أن عليا عليه السلام لم يكن بخليفة؟ قال: كذبت أستاه بني الزرقاء يعني بني مروان.
وهذا الحديث قال الألباني عن سنده: حسن. (صحيح سنن أبي داود ج3 ص130)
الجواب: سأصعب على نفسي أكثر!! فإن هناك مجموعة من العوامل والمؤثرات التي كانت تزيد الأمر صعوبة، وتضغط في اتجاه معاكس للقول بإمامة الإمام علي عليه السلام، فعلي بن أبي طالب كان مبغوضا من قبل الكثيرين بما فيهم بعض الصحابة بما يشكل ظاهرة مشهودة، ولاتجد صحابيا ورد في الروايات عن كثرة مبغضيه حتى من الصحابة ما تجده في علي بن أبي طالب (ع)، ونحن لانريد أن نبحث عن الأسباب الكامنة وراء ذلك الحسد والبغض، ولكن من الطبيعي أن من يبغض لا يحصل أي تعاطف معه ويضيع حقه.
* بغض علي في حياة النبي (ص)
بعض الصحابة كانوا يبغضون عليا (ع) أو كانوا يتضايقون من تفضيل علي (ع) على غيره، وسأذكر بعض الأمثلة مما حصل في حياة النبي (ص):
المثال الأول:
روى البزار بسنده عن النعمان بن بشير قال: اسـتأذن أبو بكر على النبي (ص) فسمع صوت عائشة وهي تقول: لقد علمت أن عليا أحب إليك من أبي مرتين أو ثلاثا، قال : فاستأذن أبو بكر فأهوى إليها فقال: يا بنت فلانة لا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله (ص).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص127: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
وهنا تعليقة مهمة للهيثمي يقول فيها: رواه أبو داود غير ذكر محبة علي رضي الله عنه.
فقد روى أبو داود في سننه ج2 ص477 بسنده عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النبي (ص) فسمع صوت عائشة عاليا، فلم دخل تناولها ليلطمها ... "، أي من دون الإشارة إلى سبب ارتفاع صوت عائشة، وهذا نوع من التحريف بعدم ذكر مقطع مهم جدا في الرواية ويبين أن زوجة النبي (ص) كانت تتضايق من تفضيل النبي (ع) عليا - وبإقرارها- على أبيها.
المثال الثاني:
روى أحمد في مسنده عن بريدة بن الحصيب قال: أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا قط، قال: وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص127: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير عبد الجليل بن عطية وهو ثقة وقد صرح بالسماع.
المثال الثالث:
روى أبو يعلى الموصلي بسنده عن سعد بن أبي وقاص قال:
"كنت جالسا في المسجد أنا ورجلين معي، فنلنا من علي، فأقبل رسول الله (ص) غضبان يعرف في وجهه الغضب فتعوذت بالله من غضبه، فقال: مالكم ومالي، من آذى عليا فقد آذاني".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص129: "رواه أبو يعلى ... ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير محمود بن خداش وقنان وهما ثقتان".
المثال الرابع:
روى الحاكم في المستدرك ج3 ص122 بسنده عن عمرو بن شأس قال: قال لي رسول الله (ص): قد آذيتني، قلت: يا رسول الله (ص): ما أحب أن أؤذيك، قال: من آذى عليا فقد آذاني.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص.
وكذلك اعترف محققا كتاب موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ج7 ص132 بأن إسناده جيد.
(موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان – علي بن أبي بكر الهيثمي المتوفى سنة 807هـ - تحقيق: حسين سليم الداراني وعبده علي كوشك – دار الثقافة العربية – دمشق – الطبعة الأولى 1993م 1413هـ)
* بغض علي بعد وفاة النبي (ص):
سؤال: وهل انقطع هذا البغض بحياة النبي (ص) وأصلحت الأمور بعد أن حذر النبي (ص) من بغض علي (ع) وإيذائه؟
الجواب: كلا، فقد استمرت هذه الحالة كظاهرة بعد وفاة النبي (ص) سواء من قبل بعض الصحابة أو غيرهم، ومن الأمثلة على تفشي تلك الحالة بعد وفاة رسول الله:
المثال الأول:
روى الحاكم بسنده عن عمرو بن ميمون قال:
إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط (وكلمة رهط في اللغة تعني العدد الذي يكون من الثلاثة إلى العشرة وليس فيهم امرأة، ولكن إذا أضيف إلى الرهط عدد كما هنا حيث قال تسعة رهط فالمراد به الشخص، أي تسعة أشخاص) فقالوا: يا بن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء، قال: فقال ابن عباس: بل أنا أقوم معكم، قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، قال: فابتدؤوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف، وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره ...الخ".
قال الحاكم في المستدرك ج3 ص143 ح4652/250: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: صحيح.
المثال الثاني:
روى أحمد في مسنده عن أبي عبد الله الجذلي (الجدلي) قال: دخلت على أم سلمة فقالت: أيسب رسول الله فيكم؟ فقلت: سبحان الله أو معاذ الله، قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: من سب عليا فقد سبني.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص130:
رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبد الله الجدلي وهو ثقة.
ورواه النسائي في السنن الكبرى ج5 ص133 ح8476، وقال محققا الكتاب عبد الغفار البنداري وسيد كسروي حسن في الهامش: رجاله ثقات.
(السنن الكبرى – أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي – تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن – دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى – 1991م 1411هـ)
ورواه الطبراني وأبو يعلى بسندهما عن أبي عبد الله الجدلي بصيغة أخرى مقاربة قال:
دخلت على أم سلمة فقالت لي: أيسب رسول الله (ص) فيكم؟ قلت: أنى يسب رسول الله (ص)؟ قالت: أليس يسب علي ومن يحبه، وقد كان رسول الله (ص) يحبه.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص130: رواه الطبراني في الثلاثة وأبو يعلى، ورجال الطبراني رجال الصحيح غير أبي عبد الله الجدلي وهو ثقة.
ونلاحظ في هذا الحديث أن السب لم يختص بالإمام علي (ع) فقط بل شمل محبيه أيضا.
المثال الثالث:
روى النسائي في السنن الكبرى ج5 ص133 ح8477 بسنده عن خالد بن عرفطة قال:
رأيت سعد بن مالك (بن أبي وقاص) بالمدينة فقال: ذكر أنكم تسبون عليا؟! قلت: قد فعلنا، قال: لعلك سببته؟! قلت: معاذ الله، قال: لا تسبه فإن وضع المنشار على مفرقي على أن أسب عليا ما سببته بعدما سمعت من رسول الله (ص) ما سمعت.
قال محققا الكتاب عبد الغفار البنداري وسيد كسروي حسن في الهامش: رجاله ثقات سوى أبي بكر بن خالد مقبول.
ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، وقال الهيثمي عن سنده: رواه أبو يعلى وإسناده حسن. (مجمع الزوائد ج9 ص130)
المثال الرابع:
روى الحاكم النيشابوري بسنده عن زياد بن علاقة، عن عمه أن المغيرة بن شعبة (أثناء فترة ولايته على الكوفة من قبل معاوية) سب علي بن أبي طالب فقام إليه زيد بن أرقم، فقال: يا مغيرة، ألم تعلم أن رسول الله (ص) نهى عن سب الأموات فلم تسب عليا وقد مات.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وتعقبه الذهبي في التلخيص قائلا: على شرط مسلم. (المستدرك ج1 ص514 ح1419)
المثال الخامس:
روى أحمد في فضائل الصحابة بسنده عن شداد أبي عمار قال: دخلت على واثلة بن الأسقع (الصحابي) وعنده قوم، فذكروا عليا فشتموه وفشتمته معهم، فلما قاموا قال لي: لم شتمت هذا الرجل؟ (أي أن هذا الصحابي لم يجرأ أو لم يكن قادرا على منع السب فخاطب شدادا بعد خروج القوم)
قلت: رأيت القوم شتموه فشتمته معهم!!
فقال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله (ص)؟ فقلت: بلى؟ فقال: أتيت فاطمة أسألها عن علي، فقالت: توجه إلى رسول الله، فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله (ص) ومعه علي وحسن وحسين، آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة، فأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه أو قال: كساء، ثم تلا هذه الآية: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق.
قال محقق الكتاب وصي الله بن محمد عباس: وإسناده حسن. (فضائل الصحابة ص577 ح978، الطبعة الأولى 1413هـ - 1983م – جامعة أم القرى – مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي – كلية الشريعة والدراسات الإسلامية – مكة المكرمة)
المثال السادس:
روى أحمد في فضائل الصحابة بسنده عن قرة قال: سمعت أبا رجاء يقول: لا تسبوا عليا ولا أهل هذا البيت، إن جارا لنا من بني الجهم قدم من الكوفة فقال: ألم تروا هذا الفاسق ابن الفاسق؟! إن الله قتله، يعني الحسين (ع)، قال: فرماه الله بكوكبين في عينه فطمس الله بصره.
قال محقق الكتاب وصي الله بن محمد عباس: وإسناده صحيح. (فضائل الصحابة ص574 ح972)
* أثر ظاهرة سب الإمام علي (ع) وأصحابه
ظاهرة إظهار البغض لعلي (ع) وكل من يحب عليا عبر سبه وسبهم والمضايقة على شيعته بالتنكيل سرت في المجتمع الإسلامي وخاصة في عهد بني أمية حيث سن لعن أمير المؤمنين (ع) على المنابر، ومن الواضح أن السلطة أي سلطة كانت عندما تسخر أجهزتها الإعلامية والتنفيذية في أمر ما فإن ذلك يترك أثره البالغ على أفراد المجتمع وتوجههم.
بعد ذلك الاختناق وبعد تلك العصور المظلمة جاء وقت التحديث في عهد عمر بن عبد العزيز الذي رفع السب أيضا، وكان منع التحديث وسب الإمام علي (ع) وأصحابه قد آتى أكله، فصنفوا الرواة إلى شيعي ويتشيع من جهة ورافضي من جهة أخرى، وحتى حفاظ أهل السنة وعلمائهم لم يسلموا من آثار ذلك الجو، بل حتى الصحابة الذين يزعمون أنهم عدول كلهم لم يسلموا من هذا التصنيف والآثار المترتبة عليه.
بمعنى آخر لقد قدموا إلى موضوع الإمامة برأي مسبق، فبدلا من أن يضعوا الحديث الذي يرويه الثقة نصب أعينهم فيأخذوه ثم ينظروا في دلالته ومن ثم يحددوا موقفهم، فإنهم على العكس من ذلك اتخذوا موقفهم ممن يتبنى رأيا معينا في تفضيل الإمام علي (ع) وإمامته فلم يرووا عنه، ومن ثم أسقطوا قيمة الرواية التي يرويها، ومن هنا فإن عظمة الاستدلال بفضائل أمير المؤمنين (ع) وأدلة إمامته تعود إلى أنه كيف اخترقت كل تلك الحواجز والموانع ووصلت إلينا في ظل تلك الأجواء الضاغطة والسائرة في اتجاه معاكس،حتى نسب إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي قوله:
"ما أقول في رجل أخفت أولياؤه فضائله خوفا، وأخفت أعداؤه فضائله حسدا، وشاع من بين ذين ما ملأ الخافقين".
* تضعيف الرواة المتهمين بالتشيع والرفض:
وأول خطوة خطوها في هذا الصدد تضعيف الرواة وتصنيفهم إلى شيعي ومتهم بالتشيع ورافضي، ولا أريد القول أن من سأذكرهم لم يوثقهم أحد بل أريد القول أن الحالة السابقة تركت آثارها في الطعن فيهم لأجل معتقدهم وبالتالي تركوا الرواية عنهم، ومن أمثلة التضعيف:
المثال الأول: عبيد الله بن موسى العبسي
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج7 ص48:
وقال ابن سعد: .... وكان يتشيع ويروي أحاديث في التشيع منكرة، وضعف بذلك عند كثير من الناس، وكان صاحب قرآن.
وقال الحاكم: سمعت قاسم بن قاسم السياري، سمعت أبا مسلم البغدادي الحافظ يقول: عبيد الله بن موسى من المتروكين، تركه أحمد لتشيعه، وقد عوتب على روايته عن عبد الرزاق (أي الحافظ الصنعاني صاحب المصنف) فذكر أن عبد الرزاق رجع".
المثال الثاني: عطية بن سعد العوفي.
قال فيه الحافظ الناصبي الجوزجاني: مائل. (أي إلى التشيع) (تهذيب الكمال ج13 ص91)
ونقل ابن حجر عن الساجي قوله: ليس بحجة، كان يقدم عليا. (تهذيب التهذيب ج7 ص202)
المثال الثالث: علي بن غراب
قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: ساقط.
فتعقبه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي بالقول: أظن إبراهيم طعن عليه لأجل مذهبه فإنه كان يتشيع، وأما روايته فقد وصفوه بالصدق.
وقال ابن حبان: حدث بالأشياء الموضوعة فبطل الاحتجاج به، وكان غاليا في التشيع.
* سؤال: وما هو الفرق بين التشيع والرفض؟
الجواب: التشيع بمعنى الاعتقاد ببعض فضائل علي (ع)، واختلفوا في مفهوم الرفض هل هو مجرد تقديم علي (ع) على غيره أم هو الطعن في مخالفي علي (ع) من الصحابة، وما يهمنا فعلا هو أن تلك الحالة السابقة من اللعن والسب والبغض لأمير المؤمنين (ع) في عهد رسول الله (ص) وبعد وفاته وخاصة في العهد الأموي تركت أثرها في تصنيف الرواة وعدم الأخذ عن بعضهم بناء على معتقداتهم لا على وثاقتهم.
* عدم الرواية عن الصحابة القائلين بأحقية علي (ع)
سؤال: هل نستطيع بناء عليه أن نقول أن الإقلال من الرواية عن الصحابة الذين كانوا يؤمنون بأحقية علي في الخلافة كسلمان الفارسي وأبو ذر في كتب المسانيد والصحاح مرجعه إلى موقفهم ذلك؟
الجواب: نعم بالتأكيد، بل أستطيع القول أن بعض الصحابة لم يسلم من ظاهرة عدم الرواية عنه أصلا بحجة التشيع، مع أنهم يقولون أن الصحابة كلهم عدول وأن القول بعدم عدالتهم جميعا يلزم منه محذور عدم وصول سنة النبي (ص) إلينا!!
فالبخاري لم يكن ممن يروي عن الصحابي أبي الطفيل لمذهبه.
جاء في باب الكنى من كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني ج7 ص193:
"قال مسلم: مات سنة مائة، وهو آخر من مات من الصحابة"، وقال ابن حجر: "رأى النبي (ص) وهو شاب وحفظ عنه أحاديث".
(الإصابة في تمييز الصحابة – أحمد بن علي بن حجر العسقلاني – تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض – دار الكتب العلمية – بيروت)
ويقول الحافظ علاء الدين مغلطاي المتوفى سنة 762هـ في كتابه الإنابة في ترجمة أبي الطفيل:
"508: عامر بن واثلة أبو الطفيل الليثي.
ذكره أبو عمر (أي ابن عبد البر القرطبي) في الاستيعاب، ثم قال: وكان ثقة مأمونا.
وقال ابن عدي: له صحبة من رسول الله (ص)، وقد روى عنه قريبا من عشرين حديثا. (الكامل ج5 ص87)
وقال ابن سعد: وكان أبو الطفيل ثقة في الحديث وكان متشيعا. (الطبقات الكبرى ج5 ص457 وج6 ص64)
وفي تاريخ الحاكم (تاريخ دمشق ج6 ص128) سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الأخرم: لم ترك البخاري حديث عامر بن واثلة؟ فقال: لأنه كان يفرط في التشيع.
وعن إبراهيم أنه كان إذا حدث عن أبي الطفيل قال: دعوه، وكان يتقي من حديثه، وقال ابن المديني: قلت لجرير بن عبد الحميد: أكان مغيرة يكره الرواية عن أبي الطفيل؟ قال: نعم". ( الإنابة في معرفة المختلف فيهم من الصحابة ج1 ص321)
أما المقصود من التشيع أو الإفراط في التشيع الذي بسببه تركت الرواية عن الصحابي أبي الطفيل فيبينه ابن عبد البر القرطبي في كتابه الاستيعاب ج4 ص260 حيث يقول:
"وكان متشيعا في علي ويفضله" أي أن مجرد تفضيل علي على غيره من الصحابة موجب لترك روايته عند البخاري.
(الاستيعاب في معرفة الأصحاب – أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي المالكي المتوفى سنة 463هـ - دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى – 1415هـ 1995م)
وبلغ الأمر أن الإمام علي (ع) لم يعد حتى من الخلفاء، فقد روى أبو داود في سننه ح4646 أن سعيد بن وهب قال لسفينة (مولى رسول الله (ص) وكان قد اعتقه): إن هؤلاء يزعمون أن عليا عليه السلام لم يكن بخليفة؟ قال: كذبت أستاه بني الزرقاء يعني بني مروان.
وهذا الحديث قال الألباني عن سنده: حسن. (صحيح سنن أبي داود ج3 ص130)