* سؤال: قبل أن نتعرض لسند حديث الغدير نحب أن نتعرف على الاهتمام بحديث الغدير، وهل كان ذلك مختصا بالشيعة أم اهتم به غير الشيعة أيضا؟
الجواب: لأهمية هذا الحديث وانتشاره الكبير اهتم به كلا الطرفين السنة والشيعة، يقول الحافظ ابن كثير الدمشقي في الفصل الذي عقده لحديث الغدير في البداية والنهاية ج5 ص208:
"وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ، فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، ......... وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة".
ويقول الحافظ الذهبي المتوفى سنة 748هـ:
"ولما بلغه أي الطبري إن أبا داود تكلم في حديث غدير خم عمل كتاب الفضائل وتكلم في تصحيح الحديث.
قلت (والكلام للذهبي): رأيت مجلدا من طرق الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق". (طبقات الحفاظ ج2 ص713)
وكذلك ألف الذهبي رسالة في طرق حديث من كنت مولاه. (بتحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي، وقد صرح بتأليفه هذا الكتاب في تذكرة الحفاظ ج3 ص1042)
وأما من طرق الشيعة، فقد قال ابن حجر: وصححه واعتنى بجمع طرقه أبو العباس ابن عقدة (وهو من الشيعة الزيدية وموضع وثاقة كل من السنة والشيعة)، فأخرجه من حديث سبعين صحابيا أو أكثر. (تهذيب التهذيب ج7 ص296 في ترجمة أمير المؤمنين)
وكذلك ألف فيه من علماء الشيعة الإمامية الحسين بن عبد الله المعروف بابن الغضائري (رجال النجاشي ص69) ، ومحمد بن عمر التميمي الجعابي. (رجال النجاشي ص395)
ومن المتأخرين كتب العلامة الأميني هذا الرجل العظيم رضوان الله عليه موسوعته العملاقة الغدير التي تعرض فيها لكل ما يرتبط بالغدير من جهة السند والمتن والكتب المؤلفة والشعراء وبحوث كثيرة قيمة.
* سؤال: وكيف كان اهتمام الإمام علي (ع) به؟
الجواب: بعد مضي أكثر من 25 سنة من اغتصاب حق أمير المؤمنين (ع) يقف أمير المؤمنين ليؤكد على أحقيته في الرحبة، مناشدا أصحاب النبي (ص) الشهادة.
والرحبة قرية بحذاء القادسية على مرحلة من الكوفة على يسار الحجاج إذا أرادوا مكة (البداية والنهاية ج5 ص229 الهامش)، ولكن الذي يظهر من جو الحديث أن المقصود بالرحبة (بفتح الراء وتقرأ غلطا بضمها) بمعناها اللغوي أي ما اتسع من الأرض (لسان العرب ج5 ص165) أي الفناء والساحة، ولعل المقصود ساحة المسجد (كما احتمله ابن كثير في البداية والنهاية ج5 ص211 ط مكتبة المعارف – بيروت الطبعة السادسة 1988م – 1409هـ) أو ساحة كانت معروفة بالكوفة.
لم تنسه تلك السنوات الطوال تلك الواقعة العظيمة، ولم يتبين لي على نحو التحديد ما الذي هيج أمير المؤمنين (ع) بحيث ناشد أصحاب النبي (ص) وأقسم عليهم بالله عز وجل، هل أن بعضهم أخذ يطرح التشكيك أو أن بعضهم رأى لنفسه حق مخالفة الإمام علي (ع) أثناء توليه الخلافة، أو هيجه أن البعض من أصحاب النبي (ص) قد سلم عليه مخاطبا إياه مولانا، مع ما فيها من دلالة الطاعة والسمع والتبعية فأراد أن يثبت أن هذا الحق كان ثابتا له منذ حياة رسول الله (ص) ولكن المنقلبين على أوامر رسول الله (ص) لم يسمحوا له بتنفيذ هذا الحق.
فقد روى أحمد عن رياح بن الحارث قال:
«جاء رهط إلى علي بالرحبة، قالوا: السلام عليك يا مولانا، فقال: كيف: أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟! قالوا: سمعنا رسول الله (ص) يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فهذا مولاه، قال رياح:
فلما مضوا تبعتهم، فقلت: من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري.»
قال الهيثمي:
"رواه أحمد والطبراني، .... ورجال أحمد ثقاة". (مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص104)
* سؤال: السؤال الأهم ما قيمة الحديث من ناحية السند؟
الجواب: حديث الغدير يثبت سندا بشكل قطعي من جهتين:
الأولى: التواتر.
قال الذهبي في رسالته طرق حديث من كنت مولاه ص11:
"حديث من كنت مولاه فعلي مولاه مما تواتر وأفاد القطع بأن الرسول (ص) قاله، رواه الجم الغفير والعدد الكثير من طرق صحيحة، وحسنة وضعيفة ومطرحة وأنا أسوقها".
وأكد رأيه هذا الحافظ ابن كثير حيث نقل عنه قوله:
"وصدر الحديث (أي عبارة من كنت مولاه فعلي مولاه) متواتر التيقن أن رسول الله قاله". (البداية والنهاية ج5 ص209)
وممن صرح بتواتره أيضا كل من: المناوي في فيض القدير ج6 ص218، ومن المعاصرين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ج4 ص343.
الجهة الثانية: كثرة الأحاديث الصحيحة
وقد خصص الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي بابا خاصا في كتابه مجمع الزوائد ج9 ص103 ضمن الأبواب التي عقدها لمناقب علي بن أبي طالب بعنوان: "باب قوله (ص) من كنت مولاه فعلي مولاه".
روى فيه الأحاديث المنقولة فقط في زوائد مسند أحمد بن حنبل ومسند أبي يعلى الموصلي وأبي بكر البزار ومعاجم الطبراني الثلاثة الكبير والأوسط والصغير، أي عن ستة كتب فقط، فبلغ عدد الروايات التي نقلها مع اختلاف في ألفاظها زيادة ونقصانا 30 حديثا، عدد الأحاديث التي اعترف بصحتها أو حسنها 15 حديثا، وعدد الأحاديث التي اختلف في صحتها 6 أحاديث، و9 منها ضعيفة. هذا فقط في ستة كتب.
وكذلك خصص ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق مقطعا خاصا بطرق حديث الغدير أوصلها إلى ثلاثين صحابيا تقريبا، وقد وصفها الذهبي بقوله: "يصدق بعضها بعضا". (تاريخ الإسلام ، عهد الخلفاء ص632، وراجع كتاب طرق حديث الغدير برواية ابن عساكر لأمير التقدمي المعصومي)
ولو تتبعنا أسماء الصحابة الذين صح سماعهم لحديث من كنت مولاه إليهم وبسند صحيح إليهم أو اعترفوا بصدوره من النبي (ص) وفقا لمقاييس محدثي أهل السنة وعلمائهم المختصين بالرجال في الجرح والتعديل فهم الآتي (طبعا ضمن استقرائي القاصر والسريع):
علي بن أبي طالب، سعد بن أبي وقاص، وعمران بن حصين، وأبو أيوب الأنصاري، وزيد بن أرقم، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، ومالك بن الحويرث، وحبشي بن جنادة، وعبدالله بن عباس، وعمير بن سعد، وبريدة بن الحصيب، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وجابر بن عبد الله وثلاثون صحابيا من أصحاب النبي (ص) شهدوا لعلي (ع) بالرحبة من دون تحديد لأسمائهم منهم اثنا عشر بدريا. (راجع مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص103- 108، سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ج4 ص330، والبداية والنهاية ج5 ص213)
ومن أمثلة تلك الأحاديث:
الحديث الأول:
روى أحمد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
«سمعت علي بن أبي طالب ينشد الناس فقال: أنشد الله رجلا مسلما سمع رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم ما قال لما قام، فقام اثنا عشر بدريا فشهدوا».
قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقاة. (مجمع الزوائد ج9 ص106)
الحديث الثاني:
وروى أبو يعلى الموصلي بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «شهدت عليا في الرحبة يناشد الناس: أنشد الله من سمع رسول الله (ص) يقول في يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه لما قام فشهد.
قال عبد الرحمن: فقام اثنا عشر بدريا كأني أنظر إلى أحدهم عليه سراويل، فقالوا: نشهد إنا سمعنا رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين وأزواجي أمهاتهم، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.»قال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله وثقوا. (مجمع الزوائد ج9 ص105)
الحديث الثالث:
وروى أحمد بسنده عن أبي الطفيل قال:
جمع علي (ع) الناس في الرحبة ثم قال لهم: «أنشد بالله كل امرئ مسلم سمع رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم ما قال لما قام، فقام إليه ثلاثون من الناس، قال أبو نعيم: فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال (ص): من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال: فخرجت كأن في نفسي شيئا، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: أني سمعت عليا يقول كذا وكذا، قال: فما تنكر، قد سمعت رسول الله (ص) يقول ذلك.»
قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة. (مجمع الزوائد ج9 ص104، وأقره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ج4 ص331)
وقال الألباني: وإسناده صحيح على شرط البخاري. (سلسلة الأحاديث الصحيحة ج4 ص33)
الحديث الرابع:
روى الحاكم بسنده عن زيد بن أرقم قال:
«خرجنا مع رسول الله (ص) حتى انتهينا إلى غدير خم فأمر بدوح فكسح في يوم ما أتى علينا يوم كان أشد حرا منه، فحمد الله وأثنى عليه، وقال:
يا أيها الناس أنه لم يبعث نبي قط إلا عاش نصف ما عاش الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده، كتاب الله عز وجل، ثم قام فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال:
يا أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.»
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
قال الذهبي في التلخيص: صحيح.
المستدرك ج3 ص613 ط دار الكتب العلمية بتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا.
الحديث الخامس:
روى الحاكم بسنده عن عمرو بن ميمون قال:
إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط (وكلمة رهط في اللغة تعني العدد الذي يكون من الثلاثة إلى العشرة وليس فيهم امرأة، ولكن إذا أضيف إلى الرهط عدد كما هنا حيث قال تسعة رهط فالمراد به الشخص، أي تسعة أشخاص) فقالوا: يا بن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء، قال: فقال ابن عباس: بل أنا أقوم معكم، قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، قال: فابتدؤوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف، وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره، وقعوا في رجل قال له النبي (ص): لأبعثن رجلا لايخزيه الله أبدا، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فاستشرف لها مستشرف، فقال: أين علي؟ فقالوا: إنه في الرحى يطحن! قال ابن عباس: وما كان أحدهم ليطحن، قال: فجاء وهو أرمد لايكاد أن يبصر، قال فنفث في عينيه، ثم هز الراية ثلاثة فأعطاه إياه فجاء علي بصفية بنت حيي (التي أسرت يوم خيبر وكانت تحت رجل يهودي قتل في خيبر فاصطفاها النبي (ص) لنفسه ثم أعتقها ثم تزوجها)، قال ابن عباس: ثم بعث رسول الله فلانا بسورة التوبة فبعث الله عليا خلفه فأخذها منه، وقال: لايذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه.
(طبعا المقصود من فلانا هو أبو بكر، والدليل على ذلك أن الحافظ النسائي روى نفس هذا الحديث في السنن الكبرى ج5 ص113 بسنده الصحيح وباعتراف محققا الكتاب عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن وجاء فيه: وبعث أبا بكر بسورة التوبة وبعث عليا خلفه فأخذها منه، فقال: لايذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه، ومسألة تحريف اسم الرواة إلى كلمة فلان كثير في كتب الصحاح والمسانيد، وكان بغرض إخفاء منقبة بعض صحابة النبي (ص) وفي الغالب لإخفاء ما يدل على مؤاخذة ومنقصة بعض الصحابة، وهنا هذا الحديث يدل على أن السبب في الإرجاع أنه لايوجد في أصحاب النبي (ص) من ينطبق عليه عنوان «هو مني وأنا منه» سوى علي (ع) وأن أبابكر لاينطبق عليه هذا العنوان)
فقال ابن عباس: وقال له النبي (ص) لبني عمه: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة، قال: وعلي جالس معهم، فقال رسول الله (ص) وأقبل على رجل منهم فقال: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة، فأبوا، فقال لعلي (ع): أنت وليي في الدنيا والآخر.
........ سأقتصر على سرد الفضائل التي لها مساس مباشر بالإمامة من حديث ابن عباس.
الجواب: لأهمية هذا الحديث وانتشاره الكبير اهتم به كلا الطرفين السنة والشيعة، يقول الحافظ ابن كثير الدمشقي في الفصل الذي عقده لحديث الغدير في البداية والنهاية ج5 ص208:
"وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ، فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، ......... وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة".
ويقول الحافظ الذهبي المتوفى سنة 748هـ:
"ولما بلغه أي الطبري إن أبا داود تكلم في حديث غدير خم عمل كتاب الفضائل وتكلم في تصحيح الحديث.
قلت (والكلام للذهبي): رأيت مجلدا من طرق الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق". (طبقات الحفاظ ج2 ص713)
وكذلك ألف الذهبي رسالة في طرق حديث من كنت مولاه. (بتحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي، وقد صرح بتأليفه هذا الكتاب في تذكرة الحفاظ ج3 ص1042)
وأما من طرق الشيعة، فقد قال ابن حجر: وصححه واعتنى بجمع طرقه أبو العباس ابن عقدة (وهو من الشيعة الزيدية وموضع وثاقة كل من السنة والشيعة)، فأخرجه من حديث سبعين صحابيا أو أكثر. (تهذيب التهذيب ج7 ص296 في ترجمة أمير المؤمنين)
وكذلك ألف فيه من علماء الشيعة الإمامية الحسين بن عبد الله المعروف بابن الغضائري (رجال النجاشي ص69) ، ومحمد بن عمر التميمي الجعابي. (رجال النجاشي ص395)
ومن المتأخرين كتب العلامة الأميني هذا الرجل العظيم رضوان الله عليه موسوعته العملاقة الغدير التي تعرض فيها لكل ما يرتبط بالغدير من جهة السند والمتن والكتب المؤلفة والشعراء وبحوث كثيرة قيمة.
* سؤال: وكيف كان اهتمام الإمام علي (ع) به؟
الجواب: بعد مضي أكثر من 25 سنة من اغتصاب حق أمير المؤمنين (ع) يقف أمير المؤمنين ليؤكد على أحقيته في الرحبة، مناشدا أصحاب النبي (ص) الشهادة.
والرحبة قرية بحذاء القادسية على مرحلة من الكوفة على يسار الحجاج إذا أرادوا مكة (البداية والنهاية ج5 ص229 الهامش)، ولكن الذي يظهر من جو الحديث أن المقصود بالرحبة (بفتح الراء وتقرأ غلطا بضمها) بمعناها اللغوي أي ما اتسع من الأرض (لسان العرب ج5 ص165) أي الفناء والساحة، ولعل المقصود ساحة المسجد (كما احتمله ابن كثير في البداية والنهاية ج5 ص211 ط مكتبة المعارف – بيروت الطبعة السادسة 1988م – 1409هـ) أو ساحة كانت معروفة بالكوفة.
لم تنسه تلك السنوات الطوال تلك الواقعة العظيمة، ولم يتبين لي على نحو التحديد ما الذي هيج أمير المؤمنين (ع) بحيث ناشد أصحاب النبي (ص) وأقسم عليهم بالله عز وجل، هل أن بعضهم أخذ يطرح التشكيك أو أن بعضهم رأى لنفسه حق مخالفة الإمام علي (ع) أثناء توليه الخلافة، أو هيجه أن البعض من أصحاب النبي (ص) قد سلم عليه مخاطبا إياه مولانا، مع ما فيها من دلالة الطاعة والسمع والتبعية فأراد أن يثبت أن هذا الحق كان ثابتا له منذ حياة رسول الله (ص) ولكن المنقلبين على أوامر رسول الله (ص) لم يسمحوا له بتنفيذ هذا الحق.
فقد روى أحمد عن رياح بن الحارث قال:
«جاء رهط إلى علي بالرحبة، قالوا: السلام عليك يا مولانا، فقال: كيف: أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟! قالوا: سمعنا رسول الله (ص) يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فهذا مولاه، قال رياح:
فلما مضوا تبعتهم، فقلت: من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري.»
قال الهيثمي:
"رواه أحمد والطبراني، .... ورجال أحمد ثقاة". (مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص104)
* سؤال: السؤال الأهم ما قيمة الحديث من ناحية السند؟
الجواب: حديث الغدير يثبت سندا بشكل قطعي من جهتين:
الأولى: التواتر.
قال الذهبي في رسالته طرق حديث من كنت مولاه ص11:
"حديث من كنت مولاه فعلي مولاه مما تواتر وأفاد القطع بأن الرسول (ص) قاله، رواه الجم الغفير والعدد الكثير من طرق صحيحة، وحسنة وضعيفة ومطرحة وأنا أسوقها".
وأكد رأيه هذا الحافظ ابن كثير حيث نقل عنه قوله:
"وصدر الحديث (أي عبارة من كنت مولاه فعلي مولاه) متواتر التيقن أن رسول الله قاله". (البداية والنهاية ج5 ص209)
وممن صرح بتواتره أيضا كل من: المناوي في فيض القدير ج6 ص218، ومن المعاصرين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ج4 ص343.
الجهة الثانية: كثرة الأحاديث الصحيحة
وقد خصص الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي بابا خاصا في كتابه مجمع الزوائد ج9 ص103 ضمن الأبواب التي عقدها لمناقب علي بن أبي طالب بعنوان: "باب قوله (ص) من كنت مولاه فعلي مولاه".
روى فيه الأحاديث المنقولة فقط في زوائد مسند أحمد بن حنبل ومسند أبي يعلى الموصلي وأبي بكر البزار ومعاجم الطبراني الثلاثة الكبير والأوسط والصغير، أي عن ستة كتب فقط، فبلغ عدد الروايات التي نقلها مع اختلاف في ألفاظها زيادة ونقصانا 30 حديثا، عدد الأحاديث التي اعترف بصحتها أو حسنها 15 حديثا، وعدد الأحاديث التي اختلف في صحتها 6 أحاديث، و9 منها ضعيفة. هذا فقط في ستة كتب.
وكذلك خصص ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق مقطعا خاصا بطرق حديث الغدير أوصلها إلى ثلاثين صحابيا تقريبا، وقد وصفها الذهبي بقوله: "يصدق بعضها بعضا". (تاريخ الإسلام ، عهد الخلفاء ص632، وراجع كتاب طرق حديث الغدير برواية ابن عساكر لأمير التقدمي المعصومي)
ولو تتبعنا أسماء الصحابة الذين صح سماعهم لحديث من كنت مولاه إليهم وبسند صحيح إليهم أو اعترفوا بصدوره من النبي (ص) وفقا لمقاييس محدثي أهل السنة وعلمائهم المختصين بالرجال في الجرح والتعديل فهم الآتي (طبعا ضمن استقرائي القاصر والسريع):
علي بن أبي طالب، سعد بن أبي وقاص، وعمران بن حصين، وأبو أيوب الأنصاري، وزيد بن أرقم، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، ومالك بن الحويرث، وحبشي بن جنادة، وعبدالله بن عباس، وعمير بن سعد، وبريدة بن الحصيب، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وجابر بن عبد الله وثلاثون صحابيا من أصحاب النبي (ص) شهدوا لعلي (ع) بالرحبة من دون تحديد لأسمائهم منهم اثنا عشر بدريا. (راجع مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص103- 108، سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ج4 ص330، والبداية والنهاية ج5 ص213)
ومن أمثلة تلك الأحاديث:
الحديث الأول:
روى أحمد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
«سمعت علي بن أبي طالب ينشد الناس فقال: أنشد الله رجلا مسلما سمع رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم ما قال لما قام، فقام اثنا عشر بدريا فشهدوا».
قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقاة. (مجمع الزوائد ج9 ص106)
الحديث الثاني:
وروى أبو يعلى الموصلي بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «شهدت عليا في الرحبة يناشد الناس: أنشد الله من سمع رسول الله (ص) يقول في يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه لما قام فشهد.
قال عبد الرحمن: فقام اثنا عشر بدريا كأني أنظر إلى أحدهم عليه سراويل، فقالوا: نشهد إنا سمعنا رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين وأزواجي أمهاتهم، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.»قال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله وثقوا. (مجمع الزوائد ج9 ص105)
الحديث الثالث:
وروى أحمد بسنده عن أبي الطفيل قال:
جمع علي (ع) الناس في الرحبة ثم قال لهم: «أنشد بالله كل امرئ مسلم سمع رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم ما قال لما قام، فقام إليه ثلاثون من الناس، قال أبو نعيم: فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال (ص): من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال: فخرجت كأن في نفسي شيئا، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: أني سمعت عليا يقول كذا وكذا، قال: فما تنكر، قد سمعت رسول الله (ص) يقول ذلك.»
قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة. (مجمع الزوائد ج9 ص104، وأقره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ج4 ص331)
وقال الألباني: وإسناده صحيح على شرط البخاري. (سلسلة الأحاديث الصحيحة ج4 ص33)
الحديث الرابع:
روى الحاكم بسنده عن زيد بن أرقم قال:
«خرجنا مع رسول الله (ص) حتى انتهينا إلى غدير خم فأمر بدوح فكسح في يوم ما أتى علينا يوم كان أشد حرا منه، فحمد الله وأثنى عليه، وقال:
يا أيها الناس أنه لم يبعث نبي قط إلا عاش نصف ما عاش الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده، كتاب الله عز وجل، ثم قام فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال:
يا أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.»
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
قال الذهبي في التلخيص: صحيح.
المستدرك ج3 ص613 ط دار الكتب العلمية بتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا.
الحديث الخامس:
روى الحاكم بسنده عن عمرو بن ميمون قال:
إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط (وكلمة رهط في اللغة تعني العدد الذي يكون من الثلاثة إلى العشرة وليس فيهم امرأة، ولكن إذا أضيف إلى الرهط عدد كما هنا حيث قال تسعة رهط فالمراد به الشخص، أي تسعة أشخاص) فقالوا: يا بن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء، قال: فقال ابن عباس: بل أنا أقوم معكم، قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، قال: فابتدؤوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف، وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره، وقعوا في رجل قال له النبي (ص): لأبعثن رجلا لايخزيه الله أبدا، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فاستشرف لها مستشرف، فقال: أين علي؟ فقالوا: إنه في الرحى يطحن! قال ابن عباس: وما كان أحدهم ليطحن، قال: فجاء وهو أرمد لايكاد أن يبصر، قال فنفث في عينيه، ثم هز الراية ثلاثة فأعطاه إياه فجاء علي بصفية بنت حيي (التي أسرت يوم خيبر وكانت تحت رجل يهودي قتل في خيبر فاصطفاها النبي (ص) لنفسه ثم أعتقها ثم تزوجها)، قال ابن عباس: ثم بعث رسول الله فلانا بسورة التوبة فبعث الله عليا خلفه فأخذها منه، وقال: لايذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه.
(طبعا المقصود من فلانا هو أبو بكر، والدليل على ذلك أن الحافظ النسائي روى نفس هذا الحديث في السنن الكبرى ج5 ص113 بسنده الصحيح وباعتراف محققا الكتاب عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن وجاء فيه: وبعث أبا بكر بسورة التوبة وبعث عليا خلفه فأخذها منه، فقال: لايذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه، ومسألة تحريف اسم الرواة إلى كلمة فلان كثير في كتب الصحاح والمسانيد، وكان بغرض إخفاء منقبة بعض صحابة النبي (ص) وفي الغالب لإخفاء ما يدل على مؤاخذة ومنقصة بعض الصحابة، وهنا هذا الحديث يدل على أن السبب في الإرجاع أنه لايوجد في أصحاب النبي (ص) من ينطبق عليه عنوان «هو مني وأنا منه» سوى علي (ع) وأن أبابكر لاينطبق عليه هذا العنوان)
فقال ابن عباس: وقال له النبي (ص) لبني عمه: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة، قال: وعلي جالس معهم، فقال رسول الله (ص) وأقبل على رجل منهم فقال: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة، فأبوا، فقال لعلي (ع): أنت وليي في الدنيا والآخر.
........ سأقتصر على سرد الفضائل التي لها مساس مباشر بالإمامة من حديث ابن عباس.